[ad_1]
وقد حصلت السيدة لطيفة على “جائزة زايد للأخوة الإنسانية” مناصفة مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، تقديرا لجهودها في “نشر روح التسامح والأخوة الإنسانية ومحاربة التطرف الديني لدى الشباب”، كما ذكر الأمين العام في رسالته بهذه المناسبة، شاكرا لها دورها الرائد في بناء جيل سلام.
من هي لطيفة بن زياتن؟
لطيفة بن زياتن هي سيدة مغربية هاجرت إلى فرنسا لتؤسس أسرة مع زوجها، وتمنح أطفالها الفرصة التي لم تتوفر لها بسبب ظروف مرت بها، وهي التعليم.
وهذا ما فعلته بالفعل. فربّت مع زوجها خمسة أطفال، وزرعت فيهم الأخلاق الحميدة وسهرت على أن يكملوا تعليمهم وحياتهم بسعادة وحب.
ولكن لحظة واحدة كانت كافية لتغير ما عملت عليه السيدة لطيفة بجد وحب. لحظة واحدة كانت كفيلة بأن تفقدتها فلذة كبدها، فاسودت دنياها…
ففي الحادي عشر من آذار/مارس 2012، قـُتل ابنها الثاني عماد، المظلي في الجيش الفرنسي، على يد الشاب محمد مراح في تولوز بفرنسا في حادثة هزت البلاد. حادثة غيرت قدر لطيفة بن زياتن.
كيف حولت لطيفة المعاناة إلى أمل؟
قد يُوفر الصمت والاستسلام الملاذ، في مواجهة الأسوأ؛ ولكن ما فعلته السيدة لطيفة منذ وقوع هذه الكارثة التي تقصم ظهر أي أم وأب، كان استثنائيا.
إذْ أصرت على ألا تستسلم للحزن واليأس، واختارت أن تتحدث وتنخرط في العمل الاجتماعي والتوعوي وتصنع التغيير في عقول الشباب.
ففي 24 نيسان/أبريل 2012، بعد شهر واحد فقط على قتل ابنها عماد، أنشأت “جمعية عماد للشباب والسلام”، لتخلّد ذكرى ابنها الحبيب وتجعل من هذه المأساة درساً يستفيد منه كل من قد تسول له النفس اقتراف مثل هذا الجرم بحق بريء، ونوراً يضيء طريق من شاءت الظروف أن ينمو في بيئة اجتماعية مهمشة.
“لم يكن عماد، سيدتي العزيزة، مجرد ابن”، قالت السيدة لطيفة لأخبار الأمم المتحدة، “لقد كان صديقاً، كان أخاً، كان … كان لدينا شيء خاص يربطنا. عندما ننظر إلى بعضنا البعض، كنّا نفهم ما يدور في خلدنا. كنت أعرف ما يحتاجه، وكان يعرف ما إذا كنتُ بخير أم لا. وهذا شيء فقدته في ذلك اليوم. ذلك الفراغ، لا أحد يمكنه ملؤه للأسف.”
لذلك قررت السيدة لطيفة أن تذهب إلى مكان الفاجعة لتبحث عن أجوبة، عن تفسير لقتل ابنها، “عن علامة ما قد تركها لها عماد”. فذهبت إلى تولوز حيث فتشتْ كثيرا، فماذا وجدت؟
محمد مراح “بطل الإسلام”
“فتشت وأنا على ركبتيّ. فوجدت دمه على الأرض. أخذت الرمل بين يدي وفركت دم ابني. وقلت يا رب أعني يا إلهي. صرخت بصوت عال جدا. صرخة أم تعاني”.
ووجدتْ شيئا آخر أوجعها. وجدت شبابا مهمشا يشعر بأن الجميع قد تخلى عنه ولا يكترث له. ولمست مدى الصعوبات التي يواجهونها، لا سيما في أحياء “الغيتو” حيث يُتركون لمصيرهم “عاطلين عن العمل، دون انخراط وتنوع اجتماعي صحي، ودون أمل في الاندماج أو النجاح في المجتمع الفرنسي”.
كل فعل أقوم به، كل مساعدة أقدمها، أرى طفلي يكبر من خلال هذه الجمعية–لطيفة بن زياتن
ما شاهدته وسمعته بالتحديد في الحي الذي نشأ فيه محمد مراح، صدمها. خاصة عندما سألت مجموعة من الشباب كانت تتسكع على ناصية الطريق عن البيت الذي يسكن فيه محمد مراح. إذ قابلها أحدهم بابتسامة ساخرة، وهذا ما دار بينهما:
“قلت له لماذا تبتسم أيها الشاب هل هناك شيء غريب في سؤالي؟ -قال لي لا، ولكن ألا تشاهدين التلفاز؟ ألا تقرأين الصحف سيدتي؟ -قلت، أسألك أين يعيش محمد مراح، من فضلك؟ -قال لي: محمد مراح شهيد. بطل الإسلام. ركّع فرنسا على ركبتيْها!”
لطيفة تمد يدها لمن تسببوا في ألمها
جواب قاسٍ لأم فقدت للتو ابنها؛ جواب صادم لا يمكن أن تقبله أو تستسيغه أم مفجوعة على ابنها الذي قُتل برصاصة في رأسه على يد محمد مراح في مدينة تولوز الفرنسية.
إذا أردنا تلخيص المشهد الذي وقع في آذار/مارس 2012، نرى أن هناك شابين من أبوين مهاجرين، الأول ضحية، والثاني جلاد؛ أحدهما عمِل في خدمة فرنسا، والآخر زرع الرعب في نفوس أبنائها. ولكن الأمر ليس بهذه البساطة. الأمر ليس أبيض أو أسود. فهناك أسباب كامنة وراء اتجاه محمد مراح وأقرانه نحو الإرهاب، هناك دوافع ساقتهم إلى الانحراف عن الصراط المستقيم.
سألنا السيدة لطيفة عن هذا التناقض بين المسار الذي سلكه ابنها عماد في حياته ومسار قاتله محمد، وعن فائدة زيارتها إلى المكان الذي ترعرع فيه مراح في فهم الأسباب التي أدت إلى توجهه نحو التطرف، فقالت:
“لسوء الحظ بعض الشباب يفتقرون إلى التعليم، ويفتقرون إلى وجود الوالدين، ويفتقرون حقا إلى إطار يدعمهم. هناك شباب ضائع وعلينا استعادتهم، علينا حقا العمل معهم. علينا حقا التواصل مع هؤلاء الشباب لأنهم المستقبل. هكذا بدأت مهمتي، ومازالت حتى اليوم، لن أتخلّ عنها أبدا”.
فالرسالة التي تركها لها ابنها عماد في مدينة إزار حيث نشأ محمد مراح، كانت واضحة: “ماما ابقي واقفة على قدميك. يجب ألا نستسلم. قفي ماما، قفي. أحتاجك. لا تستسلمي”.
وهكذا قررت السيدة لطيفة مدّ يدها إلى هؤلاء الأشخاص الذين تسببوا في ألمها. وأصبحت هذه معركة حياتها. وساعدتها شجاعتُها في التغلب على محنة كان من الممكن أن تفقدها قوتها وصوتها.
اقرأ. احلم بشيء جميل (…) وعندما تصلي، صلّ صلاة سلام، صلاة محبة– لطيفة بن زياتن
ومنذ تأسيس جمعيتها، تتنقل لطيفة بن زياتن عبر أرجاء فرنسا للإدلاء بشهادتها، ولقاء الشباب، من أجل الحفاظ على التماسك الاجتماعي الذي عزز حتى الآن العلاقات بين الأجيال، وبين الفرنسيين والقادمين الجدد. فهي نفسها لم تنس الترحيب والمساعدة التي تلقتها عندما تبعت زوجها إلى فرنسا، وتعرف أهمية كلمات وعلامات الترحيب التي سهلت اندماجها في ثقافة لم تكن تعرف عنها شيئا تقريبا.
وأسرّت لأخبار الأمم المتحدة قائلة: “كل فعل أقوم به، كل مساعدة أقدمها، أرى طفلي يكبر من خلال هذه الجمعية. (إنشاؤها) كان مهما جدا بالنسبة لي”.
قصص نجاح تمتد من فلسطين إلى الصين
وها هي تجوب فرنسا والعالم محولّة حزنها إلى قوة لنقل رسالة التسامح ومحاربة التعصب. يتصل بها كثيرون بمن فيهم معلّمون ومدراء سجون لمساعدتهم على الإجابة على أسئلة حرجة يطرحها الجيل الصاعد. من محاضرة إلى محاضرة، لا تملّ ولا تكل، تستجيب لكل من يطرق بابها.
رسالة تعيدها لطيفة بن زياتن مرارا وتكرارا: “افتحوا أعينكم”. وتدعونا إلى مواجهة الأيديولوجيات المؤذية، خاصة لدى الشباب. وفي هذا السياق، قامت بمشاريع وزيارات في مناطق مختلفة من العالم، نلقي فيما يلي الضوء على بعض منها:
- زيارة إلى مهد الديانات السماوية الثلاث:
في ظل تعاونها مع كلية سارسيل Sarcelles بفرنسا، نظمت جمعية “عماد للشباب والسلام” رحلة إلى إسرائيل وفلسطين، حيث يود كثيرون أن يتعايشوا بحسب السيدة لطيفة. مما يظهر بالفعل من خلال بعض الزيجات المختلطة والعلاقات التجارية أو ببساطة من خلال حسن الجوار بين الناس من مختلف الأديان. وعن تلك الزيارة قالت لطيفة في حوارها مع أخبار الأمم المتحدة إن الخوف والتوتر يؤثر على العلاقات بين الشباب الفلسطيني والإسرائيلي. لكنها أشارت إلى نواة جميلة خلقتها هذه الزيارة حيث وعدها أحد الشباب الإسرائيليين المشاركين بها بأنه سيقوم “بإنشاء جسر سلام”؛ فيما قال أحد الشباب الفلسطينيين مؤكدا: “سأبقى على اتصال مع جميع رفاقي وسأحاول توسيع كل ما نقوم به معا والتعريف بما عشناه معا بين الإسرائيليين والفلسطينيين”.
- توعية الشباب في السجون
وفي إطار برنامج لمنع التطرف العنيف في السجون، زارت السيدة بن زياتن بعض المرافق حيث تحدثت مع بعض السجناء في سياق مكافحة ظاهرة التطرف. وتقول السيدة لطيفة إنها تكلمت معهم واستمعت إليهم وقدمت أفضل النصائح لهم. ومن خلال بعض تعليقاتهم أو أسئلتهم، رأت أن هناك نقصا حقيقيا في الثقة بالنفس ولكن أيضا خوفا حقيقيا بشأن إعادة اندماجهم.
أحد السجناء لفت انتباهها بشكل خاص، فطلبت من مدير السجن مقابلته على انفراد، وحدسها لم يكن مخطئا. كان ذلك الشاب في البدء منكمشا على نفسه لكنهما تمكنا في النهاية من التحدث بصرحة. فأخبرها بأنه يشعر بالرفض والإقصاء في فرنسا. غير أن لطيفة تمكنت من شرح طموحها ببناء “فرنسا أخوية وعالمية”، حيث سيكون لكل فرد مكانته. وقدمت له نصيحة مهمة حتى لا ينتهي به المطاف مثل محمد مراح، “ويقع في هذا الفخ”- فخ التطرف:
“حاول قلب الصفحة. اقرأ. احلم بشيء جميل، وعندما تصلي، صلّ صلاة سلام، صلاة محبة”.
- زيارة إلى الصين
السفر يبني ويشحذ الشباب. إذ تترك الأشياء الجديدة التي نلاقيها ونتعرّف عليها في طريقنا أثرا فينا. وفي هذا سياق، تحرص جمعية “عماد للشباب والسلام” على مساعدة الشباب الفرنسي على السفر والعيش خارجا من أجل التعلم والتقدم. في إحدى تلك الرحلات، سافر بعض الشباب الفرنسي إلى الصين. هناك، وجدوا مجتمعا فرنسيا متماسكا للغاية. غير أن هذا التضامن ليس موجودا حتى بين الشعب الفرنسي على التراب الفرنسي، بحسب ما قاله هؤلاء الشباب الذين تمكنوا من اكتشاف تاريخ البلاد وثقافة شعبها وحضارته.
عندما عادوا إلى فرنسا سألتهم السيدة لطيفة عما تعلموه مع جمعية عماد، وماذا أفادهم هذا المشروع، فقال لها أحدهم “سيدتي، لقد نضجنا جميعا بفضلك.”
كل عام هناك مشروع أو مشروعان، تقول السيدة لطيفة، لاصطحاب هؤلاء الشباب العالقين في مدن معينة وخلطهم مع شباب من مدن أخرى، بمن فيهم الطبقة الوسطى والفقير والغني:
“يجب أن أجمع هؤلاء الشباب حتى يتشاركوا الحياة معا، حتى يتعلموا احترام بعضهم البعض، وحتى لا يقعوا فريسة العنف الطائفي. يجب أن نحذرهم منه من خلال العمل والحب والسفر. الانفتاح ضروري اليوم”.
[ad_2]
Source link