[ad_1]
القضية الفلسطينية أبرز القضايا الإقليمية والدولية، شهدت في العقود الثلاثة الماضية، انحساراً أممياً (إقليمياً ودولياً)، يكاد يكون جذرياً، على المستوى (الرسمي)، عن ما كان عليه الحال، حتى نهاية القرن الماضي. مشكلة القضية الفلسطينية أنها: تحولت (رسمياً) إلى قيم الدولة، قبل أن تنشأ الدولة، نفسها!
اتفاقات أوسلو (1993، 1995)، ألزمت التنظيمات السياسية والعسكرية، المنضوية تحت منظمة التحرير الفلسطينية، التخلي عن أدوات النضال، بأشكالها المختلفة، مقابل وعدٍ غير ملزمٍ من قبل النظام الدولي، بإقامة الدولة الفلسطينية.
كانت النتيجة صعوبة العودة لقيم وحركة النضال (المشروع) من أجل حق تقرير المصير، إذا ما سُدّت أفق قيام الدولة الفلسطينية الموعودة، طالما أن منظمة التحرير الفلسطينية، المعترف بها (دولياً وإقليمياً) ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، اختارت بقوة اتفاقات أوسلو، المضي في ما سُمي «طريق السلام»، بمتاهاته المعقدة، وظلمته المعتمة. بينما ضَمِنَ الطرفُ الآخر في معادلة الصراع، معاملته معاملة الدول، مهما بلغت شكلية الاعتراف به، طالما أن بإمكانه الاحتفاظ بكيانه «الوطني»، بفرض واقع القوة. لم يَعُدْ أمام الفلسطينيين، سوى «التَشَعْلُقَ» بخيطٍ واهنٍٍ، مع استحالة العودة لحالة الصراع الأولى مع العدو، الذي كَرّسَ مفهوم الدولة لديه، محوّلاً وضعية الاحتلال إلى حالة من التوسع الشرس والشره، بحجة البحث عن الأمن، دفاعاً عن النفس!
إذن: الخطأ الاستراتيجي الذي أُُوقِعَت فيه القضية الفلسطينية، بفعل من يمثلها رسمياً: التخلي عن كلمة التحرير (اسماً وعنواناً)، مقابل وَعْدٍ دولي أجوف بالعتق من الاحتلال وإقامة الدولة. لقد اختار «مناضلو» منظمة التحرير الفلسطينية برضاهم، المضي في طريق التفاوض، مجردين من أي قوة تفاوضية حقيقية، حتى أن القضية، فقدت مع الوقت أو كادت، العنصر التضاريسي لإقليمها، وانتهت لمجرد «سلطة» على بشرٍ (لا شعب)، من حقه أن تكون له دولة. فالسلطة نفسها، تحوّلت إلى حارس للاحتلال.. والأرض تحولت إلى حمى صهيونية ترعى فيها قطعان المستوطنين.
تخلي المنظمة عن قيمة التحرير، حوّلها من منظمة تحرر وطني، إلى سلطة لا يمكن لها أن تلجأ إلى العنف المشروع (حتى سياسياً)، وإلا اُعتبرت «تنظيماً إرهابياً»، يهدد دولة قائمة (إسرائيل)، حيث الأخيرة، تَحُولُ (عملياً) دون الفلسطينيين إقامة دولتهم المستقلة، كما نصّت على ذلك اتفاقات أوسلو.. وكما وعد بذلك النظام الدولي، وكما التزمت بذلك الدول العظمى، بقيادة الولايات المتحدة، التي تبنّت حل الدولتين.
هذا الخطأ الاستراتيجي الذي وقعت فيه منظمة التحرير الفلسطينية، منذ اتفاقات أوسلو، هو الذي أوجد الخلط في تفسير ما حدث في السابع من أكتوبر الماضي. اتفاقات أوسلو جرّدت فصائل المقاومة الفلسطينية من شرعية إدارة الصراع.. وحدّدت ساحة معاركه في الاقتراب «السلمي» للحل، عن طريق التفاوض. هذا الخلط وراء وصف ما قامت به فصائل المقاومة بـ «الإرهاب»، لأنه اُعتبر، من قبل البعض، عنفاً غير مقبولٍ، ضد دولة مستقلة «إسرائيل»، ملزم النظام الدولي بالدفاع عنها، قبل أن تكون هي نفسها من حقها الدفاع عن نفسها!
تتعالى أصوات، هذه الأيام، لاستشراف أوضاع ما بعد الحرب، بالدعوة: لإحياءِ دورٍ للسلطة الفلسطينية، بوصفها «الحكومة الشرعية» المعترف بها دولياً، وألا يكون لفصائل المقاومة أي دورٍ في مرحلةِ ما بعد الحرب! والتهديد بالمقاطعة الدولية لأي «حكومة» فلسطينية تشترك فيها فصائل المقاومة! حتى أنه يُغفل عن خطط إسرائيل التعامل مع قطاع غزة، بإعادة احتلاله، بعد تهجير أهله قسراً.. والدفع بشرعية الاستيطان في الضفة الغربية، لحد ارتكاب جرائم إبادة جماعية، لاستئصال الشعب الفلسطيني من الخريطة الجينية للبشرية.
«سيناريوهات» اليوم التالي تغفل حقيقة تاريخية وإنسانية: أن الشعوب، هي أساس الدول.. وصاحبة الأرض، وأصل السلطة. الشعوب لا تُباد، ولا تسقط حقوقها بالتقادم. بينما الدول قد تزول.. والسلطة قد تتغير، أو حتى تسقط.
[ad_2]
Source link