[ad_1]
إيلون ماسك… من أين أتى كل هذا الطموح؟
الجمعة – 3 شهر ربيع الثاني 1444 هـ – 28 أكتوبر 2022 مـ
إيلون ماسك (تويتر)
بيروت: كريستين حبيب
كلما سُئلَ صغيراً: «ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟»، كان يجيب: «أريد أن أصير مليارديراً». تراوحت ردود الفعل على أحلامه آنذاك بين الضحك والسخرية.
لا أسماء يذكرها التاريخ لأولئك الذين استصغروا أحلام إيلون ماسك، أما اسمه هو فيتصدر اليوم قائمة الأثرياء حول العالم. لقد حقق طموح الطفولة وصار مليارديراً. يملك ماسك اليوم من المال ما يكفي ليشتري أحلامه كلها.
الغريب في الأمر أنه لم يعش طفولة محرومة حتى يهجس بالثراء، فهو نشأ في منزل كبير وسط عائلة مقتدرة. لم يؤرقه الجوع ولا الحرمان خلال سنواته الأولى، بل دخل أفضل المدارس وحصل على أحدث الألعاب.
من أين أتى إذاً هذا الجوع إلى العظمة والمال؟
أهو الوالد الذي لم يترك مهنة إلا ومارسها، مَن زرع في رأس إيلون الصغير كل ذاك الطموح اللامحدود؟
لم يكن إيرول مهندساً إلكتروميكانيكياً ناجحاً فحسب، بل جمع في سيرته الذاتية صفات مثل: طيار، وبحار، ومستشار. كما أنه عمل في التطوير العقاري، وبناءً على المتداول من معلومات فإنه امتلك جزءاً من منجم للزمرد في زامبيا. رغم الثروة، حرص ماسك الأب على منح أولاده تربية عسكرية. ففي مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية، قال مرة إنه كان أباً صارماً، وإن كلمته كانت القانون بذاته، وإن إيلون وشقيقه كيمبال وشقيقته توسكا تعلموا النظام منه.
لم يعترف إيلون ماسك يوماً بفضل والده عليه، فبين الأب وابنه علاقة ملتبسة لم تعرف الصفاء على الإطلاق. وقد نفى في إحدى تغريداته عام 2019 أن يكون والده قد امتلك منجماً للأحجار الكريمة، أو أن يكون قد مول دراسة ابنه الجامعية.
لم تكن المياه عكرة دائماً في قنوات إيلون وأبيه إيرول. ففي عام 1980 وبعد أن حال طلاقٌ عنيف دون بقاء والدَيه تحت السقف نفسه، قرر إيلون السير خلف أبيه. كان في التاسعة من عمره، يوم غادر البيت واستقل قطاراً ليلياً لينضم إلى والده في منزله الجديد.
منذ تلك اللحظة، بدأت ملامح الحزن ترتسم على طفولته. انعكس انفصال والدَيه سلباً على استقراره النفسي. غرق في عالمه الخاص واستعاض عن دفء العائلة، بنار أفكاره المشتعلة في دماغه الطري.
يُحكى أن المحيطين به غالباً ما كانوا يظنون بأنه مصاب بالصم؛ إذ نادراً ما كان ينتبه لنداءاتهم ويرد عليها، مؤثراً الإصغاء إلى صوته الداخلي. يصف المقربون طفولته بالانطوائية والغريبة، أما هو فكان منشغلاً باختراعاته وابتكاراته. الحلم بغزو الفضاء بدأ باكراً جداً، فإحدى هوايات إيلون المثيرة والكثيرة كانت بناء الصواريخ وصناعة المتفجرات! حتى أنه صرح يوماً أنه متفاجئ بكَونه ما زال يحتفظ بأصابعه كلها.
أما روح المغامرة فلعله ورث بعضاً منها عن جده لوالدته، الذي كان يجمع العائلة ويأخذها في رحلات جوية على متن طائرة ذات محرك واحد. كانوا يقومون برحلات إلى أفريقيا وأستراليا بهدف تحطيم أرقام قياسية.
بعيداً عن الهوايات المتفجرة والأحلام الطائرة، أظهرَ ماسك الصغير ولعاً بالكتب. يُحكى أنه أنهى قراءة موسوعة «بريتانيكا» في سن التاسعة. كما انشغل بروايات الخيال العلمي، وبالفلاسفة الألمان. بقراءاته التي كانت تستغرق 10 ساعات يومياً عوض عن غياب العاطفة العائلية، ومن خلالها غذى مخيلته وطموحاته، وبفضلها صارت طفولته الحزينة والوحيدة ألطف. يعترف في هذا السياق: «الكتب هي التي ربتني… الكتب، ثم أهلي».
في مقابل تلك الانطوائية والهروب إلى مساحاته الخاصة، أبدى ماسك في صغره اهتماماً بأحاديث الكبار. فحسب ما يتذكر والده، كان إيلون جريئاً في كلامه ويتحدث من دون خجل، كما أنه كان ينضم إلى جلسات الأشخاص الناضجين ويشارك في نقاشاتهم.
لطالما كانت أفكاره سابقة لسنه. بدأت ملامح ريادة الأعمال تظهر في شخصيته منذ ذلك اليوم الذي جمع فيه أخاه وأولاد عمه، وصنعوا الشوكولا في البيت ثم داروا على منازل الجيران لبيعه 20 ضعفاً عما كلفتهم صناعته. لاحقاً تطور حسه التجاري، فاستوحى من شغفه المتصاعد بالكمبيوتر وألعاب الفيديو والبرمجة، وأنجز لعبته الإلكترونية الخاصة التي باعها بــ500 دولار.
في مقابل كل تلك العبقرية المبكرة، لم يستمتع إيلون ماسك بسنواته في المدرسة. فهناك تعرف على التنمر ووقع ضحيته. تعرض للسخرية من قِبل زملائه الذين كانوا يعيرونه بجسده الهزيل، ويصفونه بالمهووس بالدراسة والكتب. ولم تقف الأمور عند حدود التنمر اللفظي، بل تعدته إلى العنف الجسدي حيث رُمي يوماً من أعلى الدرج في المدرسة، ما اضطر إلى نقله للمستشفى فاقداً وعيه.
خرج ماسك المراهق من تلك الحادثة مصمماً على تعلم الدفاع عن نفسه. أخذ دروساً في الكاراتيه والجودو، واكتسب ثقة بالنفس حصنته ضد كل أشكال التنمر. وفي تلك الأثناء، كانت علاقته بوالده قد بدأت بالتدهور فقرر الانتقال إلى كندا للدراسة الجامعية. تخلى عن كل مساعدة وقرر الاتكال على نفسه، فمرت فترات طويلة كان يعيش فيها على دولار واحد يومياً. يتذكر تلك الفترة في إحدى مقابلاته قائلاً: «في النهاية يتعب المرء فعلاً من تناول الهوت دوغ والليمون كل يوم!».
اتكل على ذاته لإنجاز تخصصه الجامعي في الفيزياء والعلوم الاقتصادية، ومن أجل تحقيق هذا الهدف عمل في مزرعة وفي مصنع للأخشاب.
ربما تأثر إيلون ماسك بوالده أو بجده، أو حتى بالكتب الكثيرة التي قرأها. لكن يبدو أن طفولته غير الاعتيادية هي التي حفزته قبل أي شيء آخر، على تحدي ذاته والتحليق عالياً جداً في عالم المال والأعمال. تلك الطفولة الغريبة انعكست غرابة عليه شاباً وكهلاً، ما جعل مشاريعه وصفقاته تتسم بالجنون.
بعد «سبايس إكس»، و«تيسلا» ومجموعة الشركات الأخرى التي يمتلكها أو يسهم فيها، ها هو اليوم يحقق حلماً قديماً ويستحوذ على منصة «تويتر» بعد أشهر من السجالات والدعاوى القانونية. يجتاح ماسك سرب العصافير الزرقاء كالصياد، ويهدد صفو تغريدها. لكن يبدو أنه يحق لماسك ما لا يحق لغيره، هو القائل: «يحق للأشخاص العاديين اختيار أن يكونوا غير عاديين».
أميركا
تويتر
[ad_2]
Source link