الصفراني لـ«عكاظ»: 1000 ديوان شعر لا تطعمك «صحن فول» – أخبار السعودية

[ad_1]

يعد كثيرون -أنا منهم- الدكتور محمد الصفراني، مثقفاً صادقاً، نظرياً وتطبيقياً، يفكّر خارج الأطر التقليدية، ويبني جسوراً معرفية، للتواصل بالكتابة المُستنهضة، ويفتح نوافذ أمل بحسن ظنه في الإتقان، وله رؤى وأفكار سبق أن شرّفنا بطرحها، وهنا استكمال لما كُنّا بدأناه:

• شعرتُ يوماً، أنك قلق على الثقافة، أما زلتَ؟ وما مستوى قلقك اليوم وأنت تدير جمعية الثقافة والفنون في طيبة الطيّبة؟•• لا ثقافة دون قلق معرفي وثقافي يفضي إلى طرح الأسئلة والحوارات ويفضي إلى لذة الوصول إلى المقترحات، واسمح لي أن أتحدث من موقعي كمثقف فحسب، من جهتي عبرت عن قلقي تجاه واقعنا الثقافي في السعودية في كتاب بعنوان (نحو مجتمع المعرفة: متطلبات التنمية الثقافية والأمن الفكري في السعودية) صدر قبل 13 عاما، وهو خلاصة معايشة حثيثة للواقع الثقافي طيلة ربع قرن، كان في وقته أحلاما ثقافية في ظل هيمنة تيار متشدد على مختلف مناحي الحياة بما فيها المنحى الثقافي، تحققت معظم الأحلام في ظل رؤية 2030 والبقية في الطريق لكن مستوى التنفيذ يقع على عاتق الكوادر الإدارية الثقافية المسؤولة عن تنفيذ التحولات، يلاحظ الجميع بطئا شديدا في تجسيد التحولات الثقافية على أرض الواقع سواء على مستوى جمعيات الثقافة والفنون أو على مستوى الأندية الأدبية، وهما الذراعان التنفيذيتان لصناعة الثقافة في المملكة، تخيل أن الأندية والجمعيات اليوم تبحثان في مرجعيتهما هل هما تحت مظلة وزارة الثقافة أم مظلة وزارة الإعلام؟ أم هما مؤسسات مستقلة أو إلخ… هذه الضبابية من شأنها أن تنعكس على الأداء في الواقع الحي للممارسة الثقافية وتحافظ على مستويات القلق الثقافي في نسب مرتفعة لدى الجميع.

• ما مدى رضاك عن المشهد الثقافي، مؤسسياً وفردياً؟•• مؤسسيا، خلقت رؤية 2030 منطقاً ومنظوراً ثقافيين مختلفين عن السابق، لمسناه منذ ظهور وزارة الثقافة بمفهوم جديد للعمل الحكومي الثقافي، وتأكد ذلك في اجتماعنا قبل أشهر في تدشين وزارة الثقافة لاستراتيجيتها في سودة عسير، ربما كانت عبارة الصديق الناقد الدكتور سعيد السريحي أدق ما يصف ما أود قوله حين قال تحولت الثقافة من الرعوية إلى الريعية، وقد كان حاضراً وقتها، علينا كمثقفين أن نتفهم التحولات الجديدة ونتكيف معها، وفي ظني أن بعضنا لما يزل في طور استساغة الفكرة لكثرة ما تعودنا على رعاية الدولة -حفظها الله- لكل الجوانب الثقافية، وقد واكب ذلك التحول إتاحة تصاريح تأسيس الجمعيات الثقافية الأهلية عبر وزارة الموارد البشرية وصدرت اللوائح والتشريعات المنظمة لذلك إذ يحق لكل عشرة أشخاص -في حال انطباق الشروط- تأسيس جمعية أو جماعة مصرحة رسمياً في أي مجال من المجالات الفنية والثقافية وممارسة أنشطتها الثقافية والفنية، ولها أن تشغل نفسها ذاتياً أو تتلقى المعونات من طرقها المعروفة عبر الرعاة والمانحين والوزارة، هذه الخطوة جديرة بالاحترام لأنها نقلت التحدي من كونه بين المثقف والجهة الثقافية الحكومية أو شبه الحكومية إلى أن يكون التحدي ثقافياً صرفاً بين المثقفين أنفسهم والثقافة التي هي الموضوع الأساسي والقاسم المشترك بين الجميع، من هنا فُرّغت ظاهرة أدعياء الثقافة من مضمونها، الظاهرة السمجة التي أثقلت كواهل الجهات الحكومية المسؤولة والوسط الثقافي والثقافة التي يعلم الكل حجم معاناتها من بعض مدعي الثقافة. أما على الصعيد الفردي، فمنذ عرفت الكتابة والقراءة وأنا أؤمن بأن الثقافة بالنسبة للمثقف قضية وجود وقضية شخصية في الدرجة الأولى ومسؤولية خاصة؛ بمعنى أنه هو المسؤول الأول والأخير عن صناعة نفسه وتقديمها عبر جودة ما ينتج؛ لأنه في جميع الأحوال لن يبقى إلا الجيد والمؤثر والنوعي ومصير الزبد معروف بقانون الآية الكريمة.

• متى ستنهض الثقافة الصلبة مجدداً لتتجاوز السيولة أو التسييل؟

•• لست وصياً على أحد، الصلابة والسيولة مفاهيم نسبية لا يمكن ضبطها بمعايير ثابتة لدى الجميع، وإذا تحدثنا عن شقي الثقافة العلمي والإبداعي فلكل منهما معاييرهما العلمية والإبداعية الراسخة التي يعرفها أهل كل علم وفن وتقاس الصلابة والسيولة بمقدار قرب المنتج العلمي والإبداعي من معاييره وشروطه أو انزياحه المبرهن والنوعي والتجديدي عنها، وبالتالي فإن الساحة الثقافية الصحية والحية تستوعب الجميع ومن حق الجميع ممارسة الثقافة والإبداع، لكن الساحة ستفرز تلقائيا (وتفلتر) ما يُضخ فيها من كتب في شتى ميادين المعرفة.

•هل استعجلنا على إماتة الأندية الأدبية؟•• سؤالك يفترض موت الأندية الأدبية كلها لكن الأمر ليس على إطلاقه، الأندية الحية موجودة ويعرفها الجميع وما زالت تواصل مهمتها في النهوض بثقافتنا بل وصناعتها وإيصال صوتنا إلى الداخل والخارج بكل مهارة ومسؤولية وشرف، لكن عددها قليل جداً، أما الأندية التي وصفها سؤالك بالميتة فهي موجودة وهي الأكثرية ومسؤولية موتها وبعثها تقع على عواتق مديريها وأعضاء مجالسها ولا أريد أن أسمي أحداً، وأفوض أمر الحي والميت منها إلى بارئها.

• كيف تستمر جمعيات الثقافة والفنون بمسؤولياتها الكثيرة وميزانيتها القليلة؟

•• الجمعيات جزء من منظومة المؤسسات الثقافية عامة، وقد اقترحت في كتابي الذي نوهت عنه في إجابة السؤال الأول بدمج الجمعيات والأندية الأدبية في جهاز واحد يسمى المركز الثقافي، خرج هذا المقترح إلى النور وتم إنشاء المراكز الثقافية في عدد من مناطق المملكة لكن الدمج لم يحصل حتى هذه اللحظة، بقيت المراكز الثقافية عبارة عن صروح ثقافية عالية المستوى من حيث التنفيذ الهندسي والتجهيز، لكنها أشبه ما تكون بالقاعات العامة التي يتم استئجارها أو حجزها من قبل الإدارات التي تقع في نطاقها ولديها مناسبات تحتاج فيها إلى مكان واسع ومهيأ مثل المراكز الثقافية، أما المراكز نفسها فليس لديها برامج ثقافية ويكاد ينحصر دورها كله في ترتيب جدول مناسبات الجهات الحكومية التي منها الثقافي ومنها غير ذلك مثل اجتماعات العمل أو ورش التدريب الإدارية وخلافه، ولذلك فإن استثمار مقرات المراكز الثقافية في مختلف مناطق المملكة يتمثل في دمج الأندية الأدبية والجمعيات الثقافية ونقلها من مقراتها المستأجرة إلى مقرات المراكز الثقافية، وبذلك نكون قد حققنا الهدف الذي أنشئت المراكز الثقافية من أجله، وهذا من شأنه أن يخلق حراكاً ثقافياً حياً فالأندية أدبية وثقافية والجمعيات جمعيات ثقافة وفنون وكلاهما يدور في فلك واحد ولا مبرر للفصل بينهما، بل إن دمجهما يحقق مبدأ تجاور وتكامل الفنون والثقافات والمعارف، ومن جهتي عملت بما ناديت به في كتابي ووفقت بنقل جمعية الثقافة والفنون في المدينة المنورة من مبناها المستأجر غير الصالح للعمل الثقافي إلى مقر مركز المدينة المنورة الثقافي بفضل الله ثم بدعم أمير منطقة المدينة المنورة حفظه الله، ووزيرالثقافة، ورئيس مجلس إدارة الجمعيات.

• أين تضع مشهدنا الثقافي السعودي بين المشاهد العربية؟

•• حسب علمي لا تقبل شهادة الابن في أبيه، لكن بكل موضوعية وحياد، مشهدنا حي ولدينا رموز ثقافية مشرفة جداً، استنتجت معطيات هذه الشهادة من واقعنا الثقافي ومن نقاشاتي مع معظم رموز الثقافة العربية والعالمية، والكلام في هذا الموضوع يحتاج مساحة أكبر من مساحة اللقاء ليكون كلامي مدعماً بالبراهين والأرقام والإحصائيات لكنني هنا أقدم إجابة عامة، وعمومية إجابتي لا تقلل من مصداقيتها ولمن أراد البراهين أحيله إلى التقارير السنوية للثقافة العربية التي تصدرها مؤسسة الفكر العربي في بيروت ليرى تصدر المملكة بالأرقام والنسب في مختلف المجالات الثقافية والبحثية، ولعلي أجد متسعاً لمناقشة ما قلته لاحقا.

• ما انطباعك عن عضوية تحكيم الجوائز؟

•• شرفت بعضوية تحكيم جوائز محلية وعالمية ولجان ترقيات الأساتذة الجامعيين، العمل في هذه اللجان والهيئات يضعك أمام مسؤولية عظيمة لا تقل عن مسؤولية القاضي، عليك أن تتجرد من ميولك وقناعاتك لتحكم وفق لوائح قد تصطدم هذه اللوائح أحيانا مع رأيك وقد يصطدم العمل المتقدم مع توجهاتك أو ربما مع مواقفك الخاصة من شخصية المتقدم نفسه، لكنني أشهد الله أنني عملت فيها بكل مهنية وأمانة وتجرد حتى مع ألد منافسيّ وخصومي ومنهم من اتصل بي بعد فوزه أو ترقيته -بعد طول جفوة بيننا- وقال: لم أكن أتوقع الفوز أو الترقية؛ نظراً لما بيننا من مواقف علمية أو اختلافات في وجهات النظر، لكن فوزه أو ترقيته جعلته يعيد النظر فيّ كمحمد الصفراني وعدنا أكثر تواصلاً وأعمق مودة وأكبر تقديراً لبعضنا من ذي قبل.

• ما مدى نجاحك في التوفيق بين شاعرك وناقدك؟•• لكل منهما عالمه وميوله وأوقاته، لدي 4 مجموعات شعرية و8 كتب نقدية، ولا تقاس عملية التوفيق بينهما بعدد الكتب، بل بمدى قابلية النفس للتوجه لأي منهما، أعترف أن النقد سرقني كثيراً بحكم طبيعة حياتي العملية كأستاذ دراسات عليا في النقد والنظرية ومتطلبات المواكبة والتدريس والأبحاث.

• هل ما زال الشعر قادراً على تبليغ رسالته؟•• ربما نختلف من حيث المبدأ على أن للشعر رسالة، لكن إذا افترضنا ذلك علينا أن نحدد المقصود من الرسالة وأظن مفهوم الرسالة الذي تفضلتم بطرحه متعدد بتعدد من يرون أن للشعر رسالة ويقيمون الشعر على أساس رسالته وليس على أسس فنية، فرسالته عند المتشدد غير رسالته عند المعتدل وقضية الالتزام في الأدب مبحث أدبي ممل جداً بالنسبة لي، وكل ما أذكره أنني أتجاوزه في أي كتاب قرأته ما عدا كتب المقررات عندما كنت طالباً في الجامعة بحكم المنهج ومن حينها انقطعت صلتي به، وأظن رسالتي -بمعنى إجابتي هنا- واضحة.

• لماذا يعج مشهد الثقافة بصدام المثقف بالأكاديمي؟

•• من خلق هذه الثنائية في مشهدنا الثقافي؟ ومن كيّفها على أنها ثنائية ضدية أو صدامية -حسب تعبيرك- وليست تكاملية أو جدلية أو… إلخ؟ في الجامعة وفي خارج الجامعة هناك مثقف حقيقي وهناك مدعي ثقافة الميدان والمنتجات هي التي تحدد وتحكم، خذ أمثلة من الوسط الأكاديمي: طه حسين، عبد الله الغذامي، غازي القصيبي، إدوارد سعيد، صلاح فضل، أليسوا مثقفين وأكاديميين في الوقت نفسه، المشكلة بصراحة في استغلال بعض الأكاديميين لحرف الدال، الجامعات -يا عزيزي- فيها صنفان لا ثالث لهما: علماء أمثال من ذكرتهم قبل قليل وموظفون بدرجات علمية، ولم تكن الشهادة في يوم من الأيام كافية لتقديم أي شخص بوصفه مثقفاً. وخذ أمثلة من خارج أسوار الجامعات والأكاديمية: محمد الثبيتي، محمود درويش، أحمد شوقي، بدر شاكر السياب…إلخ، لو الأمر بيدي لفتحت المجال للجميع ليقدم ما عنده وسوف يغربل الوسط نفسه بنفسه هذا قانون ثابت في كل الميادين وسيخرج الضعفاء ويصمد الأقوياء. ثم كيف نوفق بين أديب بدأ مبدعاً ثم أكمل دراساته وصار أكاديمياً، هل يمكننا القول إنه متصادم مع نفسه، الأمور ليست بهذه الحدية، ومنشأ سوء الظن في وجود صدام بين الأكاديميين وغير الأكاديميين في الوسط الثقافي يعود إلى استحواذ الأكاديميين على المواقع القيادية لا أكثر ولا أقل، ولو انعكست الصورة لوجدت الأكاديميين يشتكون من الفريق الثاني، هذه سنة ثابتة في الوسط الثقافي عموماً لكن ما هو ثابت أيضاً أن الأصيل والرصين معروف والمدعي والدخيل معروف في كلا الفريقين.

• يُتهم المثقف بالنفعية، ألا تعد ذلك اتهاماً جائراً؟

•• من حق المثقف أن ينتفع بمنتجه الثقافي ولا عيب في ذلك، وقديماً كانت العرب تقول: فلان أدركته حرفة الأدب. لقد كانوا أعمق فهما لصناعة الثقافة من بعض مثقفي اليوم، نعم الأدب حرفة بمعنى أنه كان مصدر رزق لمحترفيه من الشعراء والكتاب والمؤلفين من أهل تلكم الأزمنة، اليوم لم يعد للأدب هذه القيمة الاقتصادية في حياتنا الراهنة، ألف ديوان شعر لا تطعمك «صحن فول سادة»، وألف كتاب نقدي لا يوفر لك «حبة تميس» إلا إذا استطعت أن تقنع الفوال والفران بأهمية الورق في إضرام النار أو الوقاية من حرارة الفول والتميس، وبالرغم من علمنا جميعا بهذه الحقيقة إلا أن المبدعين الحقيقيين في هذين الحقلين يقضون أعمارهم فيه بلذة ومتعة وإصرار، لكن في الوقت نفسه الفن التشكيلي والموسيقى والمسرحي والفنون الأخرى كانت وما زالت توفر لمبدعيها مصدر دخل ولقمة عيش أي أنها ما زالت محتفظة بما أطلق عليه العرب قديما حرفة الأدب، وكم من لوحات فنية بيعت بأرقام فلكية، وكم من مسرحيات أو حفلات غنائية أقيمت بأجور وتكاليف خرافية، من هنا علينا أن نفرق بين القطاعات الثقافية التي تستحق الرعاية الحكومية والقطاعات الثقافية التي ننتظر منها أن تكون مصدر يدر ريعاً للمؤسسة أوالمثقف، وبالتالي التحول من الرعوية إلى الريعية الذي تتبناه الثقافة الآن لا ينطبق على جميع الفنون، بمعنى من غير المنطقي أن ينتظرالشاعر أو الناقد ريعا من انتاجه ولا أقول بالمقدار نفسه الذي يجنيه الرسام أو الموسيقي، المقارنة هنا معدومة، وأنا أتحدث هنا عن موضوع عام يسمى اقتصاديات المعرفة بما فيها الثقافة والفنون، وأبين واقع كل منها من حيث أحقيته بالدعم من عدمه، أما بالنسبة لي شخصياً فكل ما أرجوه أن أظل أقرأ وأكتب بحريتي وهذا كل ما أطمح إليه، راضياً بورطتي الجميلة في عالم الأدب والنقد فهو العالم الوحيد الذي أجد نفسي فيه.



[ad_2]

Source link

Leave a Reply