نقضي شبابنا ونحن نتناول غذاء صحيّاً ونتناول المكملات الغذائية ونقضي أوقاتاً طويلة من عمرنا داخل صالات الرياضة، وحين نركب سياراتنا نربط حزام الأمان ونجري فحوصات طبية دورية كي نحافظ على صحتنا فلا تظهر علينا علامات التقدم في العمر مبكراً.

إذا كنتم مثلي تخافون من التقدم في العمر، ولكم أسبابكم الخاصة، كأن تكون أشد مخاوفكم أن تتسبب الشيخوخة وضعف أجسادكم في احتياجكم لخدمات الآخرين، فلا تقوم بأبسط احتياجاتك اليومية دون خادم أو ابن لا يظهر ملله وقرفه من خدمتك بسبب الراتب، أو طمعاً في الثواب، أو كان الأشد من ذلك فقدان جمالك وشبابك وتجعد بشرتك فحين ترى المرآة لا تكاد تعرف نفسك، فالعيون باهتة وخالية من النظرة الحالمة وقد استقرت بها الذكرى، والوجه متألم من غير ألم ليعلن أننا عشنا، والشعر أبيض وقد زحف متراجعاً عن الجبين، أو الأشد من تغير شكلنا في المرآة وحشة الرفقاء، فالزمان غير الزمان وثقافة الناس ولغتهم مختلفة عما كنا نعرفه وكل الأصدقاء والأقرباء رحلوا وبقينا في وحدة نعاني من ليالي الوحشة. مغتربين في عالم شهد صولاتنا وجولاتنا فلم نعد نعرف من بعد علمٍ شيئاً.

بالنسبة لي أخشى أن أتحول لشخصٍ لا أعرفه، كلما رأيت إنساناً متقدماً في العمر يقسو على الآخرين ويحكم عليهم وفق أعراف زالت وتغيرت، أو شخصاً آخر يبدو متصابياً بين مجايليه في محاولة للاندماج مع المجتمع المتغير حوله.

وأخشى ما أخشاه أن يتقدم بي العمر وأنسى من أين أتيت وإلى أين سأذهب، ويمضي بي حتفي وقلبي ما يزال مضغة، عضلة تضخ الدم دون أن يضيء أو يتحول إلى قنديل.