بيّنت الأحاديث النبوية هذا، فيما رواه الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال لَقيتُ إبراهيمَ ليلةَ أُسْريَ بي فقالَ يا محمَّدُ، أقرئ أمَّتَكَ منِّي السَّلامَ وأخبِرْهُم أنَّ الجنَّةَ طيِّبةُ التُّربةِ عذبةُ الماءِ، وأنَّها قيعانٌ، وأنَّ غِراسَها سُبحانَ اللَّهِ والحمدُ للَّهِ ولا إلَهَ إلَّا اللَّهُ واللَّهُ أَكْبرُ
وفي هذا الحديث النبوي حثّ لعباد الله المؤمنين على الاجتهاد ليفوزوا بدخول الجنَّة ويظَّفروا بما فيها من تربة طيّبة وماء عذب، وفي الحديث أيضأً حثّ للمؤمنين على الإكثار من غراس الجنَّة، وهو التّسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، وفي رواية أخرى قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ألَا أدُلُّكَ على غِراسٍ، هو خيرٌ مِنْ هذا ؟ تقولُ: سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إلهَ إلَّا اللهُ، واللهُ أكبرُ، يُغْرَسُ لكَ بِكُلِّ كَلِمَةٍ منها شجرةٌ في الجنةِ
فضل الذكر إنَّ لذكر الله -سبحانه وتعالى- فضائل وفوائد عظيمة أكثر من أن تُحصَر، وقد ذكر الله -عزَّ وجلَّ- و الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بعض فضائل ذكر الله واستغفاره وعبادته بالتسبيح أو التهليل أو التحميد، ومن أبرز تلك الفضائل ما يلي
الفوز والفلاح في الحياة الدنيا والآخرة، وهي نتيجة حتميّة لذكر الله -تعالى- باستمرار باستغفاره وتسبيحه، والفلاح يتحقّق بأمرين هما النجاة من المرهوب وتحقيق المرغوب. ذِكر الله -سبحانه وتعالى- لعبدهِ الذاكر له في الملأ الأعلى والثناء عليه بين ملائكته. الفوز بمعيّة الله تعالى، فقد ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: إنَّ اللهَ -عزَّ وجلَّ- يقول: أنا مع عبدي إذا هو ذكرني، وتحرَّكتْ بي شفتاه
طهارة القلب وطمأنينته بذكر الله تعالى، قال الله -تعالى- في كتابه العزيز: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ
النجاة من الغفلة، فالذاكر لله لا يُكتَب مع الغافلين، قال الله سبحانه وتعالى
وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِين
النجاة من الشيطان، فإنّ من يكون حاله الدائم ذكر الله -تعالى- لا يمسُّه من الشيطان ضررٌ من مسٍّ أو وسوسة. النجاة من عذاب الله تعالى، فإنّ من أهمِّ أسباب النجاة من عذاب الله الدوام على الأذكار جميعها، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ما عمِلَ آدمِيٌّ عمَلاً، أنْجَى له من عذابِ اللهِ من ذكرِ اللهِ
الذكر سبب لوجوب المغفرة للعبد، وهو طريق دخوله إلى الجنة، قال الله سبحانه وتعالى: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا
مراتب الذكر إنّ ذكر العبد لله -سبحانه وتعالى- يكون على عدّة مراتب، فالذّاكرون لله -تعالى- ليسوا بمنزلة واحدة، إنّما يتفاوتون في المراتب والمنازل، وبناءً على ذلك تتفاوت أُجورهم ودرجاتهم في الحياة الآخرة، وبيان مراتب الذكر الرئيسة في ما يلي: أن يذكر العبد الله -سبحانه وتعالى- عند أوامره ونواهيه؛ امتثالاً لأوامره والتزاماً بفرائضه، قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى*وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)، وقوله عَزّ وَجَلّ : وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي
أن يكون ذكر العبد لله -تعالى- محصوراً عند نواهيه، فيكون ذكره لله في تلك الحالة حاملاً له عن الكفّ عن المُحرَّمات وترك المُنهَيَات؛ خوفاً من الله -سبحانه وتعالى- وتعظيماً له، قال تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى*فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى
أن يذكر العبد ربّه بالقلب واللسان، وهذا النوع من الذكر أيضاً له عدّة مراتب هي: أن يصدر الذكر وينبعث من قلب الذاكر تعظيماً لله -تعالى- وحبّاً فيه، وإجلالاً له، ومخافةً من عذابه، فيكون منبع الذكر من القلب ثمّ اللسان، وهذه أعلى مراتب الذكر باللسان وأفضلها. أن يكون ذكر العبد لربّه بلسانه، ثمّ يستحضر قلبه ما ذكر به الله -تعالى- بعد أن يتفكَّر في معاني تلك الأذكار وقِيَمها. أن يذكر العبد ربّه بلسانه، ولا يستحضر قيمة ذلك الذكر في قلبه، فيُؤجَر على ذكره، لكن هذه المنزلة هي أدنى منازل ذكر الله -تعالى- على الإطلاق