الصقعبي: كنت أسرق الوقت لمشاهدة فيلم في أحوشة السينما بالطائف – أخبار السعودية

الصقعبي: كنت أسرق الوقت لمشاهدة فيلم في أحوشة السينما بالطائف – أخبار السعودية

[ad_1]

الثراء الذي نجده في روايات ومقالات ومسرح الكاتب عبدالعزيز بن صالح الصقعبي، هو انعكاس لما تعمر به روحه من وفرة إنسانية، فهو كائن شكّلته الأمكنة، وأثراه الزمن بتجاربه وتحولاته، فيما ظلّ رغم ما حقق من حضور وشهرة الأديب المؤدب، الذي يأسر قلوب عارفيه وأصدقائه وقرائه، وهنا تسليط ضوء على تجربة إنسانية وإبداعية، تستحق أن نشترك جميعاً في استعادتها؛ لنكون على مسافة قريبة من سيرة كاتب، لطالما وثّق سِيَر الناس، وهنا نص الحوار:

• من الطائف انطلقت، ولادةً، تعليماً، وربما بواكير التجربة الكتابية، ماذا أعطتك الطائف، وماذا تركت منك فيها؟

•• البداية المختلفة، هذا ما شعرت به عندما كبرت، ليست مجرد ولادة ونشأة، بل أعمق من ذلك، ربما لو كانت ولادتي في هذه السنوات الأخيرة لم أكن كما أنا الآن، التكوين شكّله المكان مقترناً بالزمان، ففي الستينيات والسبعينيات، وبكل تأكيد ما قبل ذلك، لم تكن الطائف كما هي الآن، كانت الأحياء بشوارعها الترابية وحيواناتها الأليفة السائبة والمدجنة تطوف في الشوارع، وتلك البيوت البسيطة الصغيرة؛ التي أغلبها طينية -أنا هنا أتكلم على الحي الذي ولدت فيه (الشرقية)- كان هنالك علاقات خاصة بين الناس متوسطي الدخل ومن هم أقرب إلى خط الفقر، ممن يعيش على الكفاف، هؤلاء الناس لا يوجد شبه بينهم؛ مزيج من بدو وحضر، والحضر مزيج من شرقيين وغربيين، وجنوبيين وقليل من الشمال، هذا التنوع يشوبه نوع من الانفتاح على الحياة، الفن حاضر، الرقصات الشعبية تقام في كل فرح بأشكال مختلفة، قريباً من حارة البخارية كان هنالك أحواش للعروض السينمائية، وفي وسط البلد كان هناك باعة الصحف والكتب المستعملة، وجوه الناس لا تتشابه مطلقاً، ولهجاتهم، وعروقهم، وأمانيهم، هذا حظي أن أكون من ضمن هذا التنوع، الذي بدأ ينحسر مع بداية الثمانينيات الميلادية، ولكن بقيت الطائف المكان الخصب لكل فعل ثقافي مختلف، فمن هناك كانت مجموعتي القصصية الأولى (لا ليلك ليلي ولا أنت أنا) وروايتي الأولى (رائحة الفحم) ومسرحيتي الأولى (صفعة في المرآة)، ستبقى الطائف مسكونة في الأعماق منها آخذ ولها أعطي.

• لمصطلح الشروق عند أهل الطائف دلالة ومشاعر وربما موقف، هل خامرك شيء من هذا أو لمسته؟

•• في روايتي (طائف الأنس) أشرت إلى ذلك، أنا من القصيم ووالدي -رحمه الله- غادر عنيزة صغيراً ليتجه إلى المدينة المنورة ثم إلى مكة ليستقر بالطائف، ليجد نفسه هنالك موظفاً، ومن أعيان المدينة، وقد كان يتمنى أن يبقى فيها إلى الأبد لولا مرضه وانتقاله مرغماً إلى الرياض، إذ فرضت علينا محدودية مدينة الطائف الوظيفية الانتقال إلى المدينة الأرحب الرياض. نعم نحن (الشروق)، القادمون من الشرق، نحن كنا لا نعرف أن هنالك أكثر من شرق إلا عندما غادرنا الطائف، فبدأنا ندخل في تفاصيل الشرق، سدير، الرياض، الزلفي المجمعة، القصيم، ولم يتوقف الأمر عند هذا؛ بالقصيم لا بد من أن نحدد المكان، بريدة، عنيزة، البكيرية، وغيرها، حينها بدأت أشعر بالابتعاد عن الآخرين، الذين تجمعني معهم كلمة واحدة الشروق، في الطائف كان لي صديق عزيز كنت أتوقع أننا أتينا من مكان واحد، وعلمت بعد زمن أن هنالك أكثر من 300 كيلو يفصل بين البلد التي أنتمي إليه وبلده، الشروق في الطائف لهم عالمهم الخاص، لهم أماكنهم وأسواق ارتبطوا بها مثل سوق الزل، مع الزمن تلاشى هذا المسمى، ربما للوعي أن الانتماء يجب أن يكون للوطن الأكبر، بعيداً عن المناطقية والإقليمية.

• أي مؤشر أوّلي أو حدث أحسست من خلاله أن الكتابة قدرك الذي لا مفرّ منه؟

•• عندما وجدت أنني مع تلميذ آخر نتسابق لكتابة حكاية في حصة التعبير في الصف السادس الابتدائي، في فصل يقارب عدد التلاميذ به الثلاثين، تحت إشراف متدرب من معهد المعلمين، وتحقق كتابتي التي ألقيتها أمام التلاميذ إعجابهم، وعندما كنت استل بعض صفحات الوسط من الدفاتر المدرسية لأكتب عليها بعض الخواطر، وأنقل بعض المعلومات والحكم والأشعار من بعض الكتب والمجلات لأجمع بها مختارات خاصة لأكوّن كتاباً باسمي، كانت البدايات بسيطة وفطرية، لتنضج مع الزمن وتواصل القراءة، ولأجد نفسي كاتباً للقصة القصيرة، ومتميزاً لكوني حصلت على المركز الأول في المسابقات الثقافية على مستوى جامعة الرياض (الملك سعود حالياً)، في مجال القصة القصيرة عام 1400هـ، وهذا المؤشر الأكبر الذي أكد قدرية الكتابة.

• من كان دليلك إليك؟

•• والدي -رحمه الله- له الدور الأكبر لميلي للقراءة، والتعرف على العالم الرحب، من خلال مكتبته البسيطة جداً في البيت، وما يحضره يومياً من صحف ومجلات، متعة سماع الإذاعة، وبالذات صوت العرب والشرق الأوسط والكويت ثم الإذاعة السعودية، بعض البرامج المسائية المفيدة مثل زيارة لمكتبة فلان، ولغتنا الجميلة، الحفلات الغنائية التي تبث على الهواء في الإذاعة، فريد، عبدالحليم، وبقية الفنانين والفنانات، الوقت الذي أسرقه ظهراً وعصراً لمشاهدة فيلم سينمائي عربي وأجنبي في أحوشة السينما بالطائف، دكان السيد لبيع الكتب المستعملة؛ الذي يشبه حالياً الذكاء الصناعي، إذ يعرف اهتمامات كل زبون ويحجز له الكتب التي تصله، وغالبيتها مما يتخلص منه بعض الإخوة العرب الذين يحضرون معهم كتباً لقراءاتها في وقت فراغهم، لعدم وجود وسائل الترفيه والتسلية حينها، أمور كثيرة أراها ساهمت بتشكيلي لأصبح أنا عبدالعزيز الصقعبي الكاتب الروائي والمسرحي والقاص، وحقيقة أتمنى فعلاً أن يكون ذلك قد تحقق.

• أي المراحل الدراسية ما زالت عالقة بالذهن؟

•• عندما أحاول أن أتذكر المراحل الدراسية، يبقى اسم (علي عيسى) مدرسي بالصف الأول الابتدائي، لا أذكر أكثر من ذلك، وبعد ذلك الأستاذ حماد في الصفوف الأخيرة؛ كان له صوت يشبه المطرب فهد بلان، يقوم بتشكيل آهاته، كان مثقفاً عرفت منه أن هنالك شاعراً عربياً يدعى نزار قباني، لأن زميلي بالفصل يدعى نزار، المرحلة المتوسطة والثانوية كانت دار التوحيد، ويكفي أن نقول (دار التوحيد)؛ بتاريخها العريق التي أسسها الملك عبدلعزيز -طيب الله ثراه- انتمائي لهذه المدرسة منحني قيمة خاصة، ولكن ربما دراستي في قسم اللغة العربية في كلية الآداب هي التي علقت بالذهن؛ فوقتها قويت علاقتي بالمكتبات، وتوسعت معارفي، وكسبت بعض الأصدقاء، وبدأت أقترب من عالم المسرح، والعمل الصحفي من خلال مشاركتي في تحرير مجلة كلية الآداب التي حصلت على المركز الثاني على مستوى الجامعة، ربما هنالك أشياء كثيرة عالقة بالذهن، ربما أتذكرها ذات يوم، وحتماً سأجد لها النص المناسب.

• من أين جاء قرار دراسة اللغة العربية؟

•• حين تخرجت من دار التوحيد الثانوية، لم يكن أمامي إلا أن أكون عسكرياً، وأنا بعيد عن ذلك أو أتخصص في الشريعة أو اللغة العربية في مكة المكرمة، ولكن رغبة في الاختلاف قررت مع الزميل سعيد شوشة الثبيتي -رحمه الله- وصديق آخر، أن نتوجه إلى كلية الآداب، ربما نجد فرصتنا لدراسة الإعلام، وكان حينها تخصصاً جديداً ومختلفاً، سجلنا في قسم اللغة العربية -وهو التخصص الوحيد الذي يقبل فيه أبناء دار التوحيد- وقررنا التحويل لقسم الإعلام، وهذا ما حدث للزميل الراحل سعيد، وعندما قبلت بالقسم تراجعت وقررت الاستمرار بقسم اللغة العربية، ودراسة مواد من قسم الإعلام كتخصص اختياري، ووقتها كان قسم اللغة العربية يزخر بالفطاحلة؛ أمثال الدكاترة شكري عياد، ومحمد زغلول سلام، وحسن ظاظا وغيرهم، إضافة إلى الدكاترة الضبيب، والحازمي، والشامخ والهدلق، والمانع، وباكلا، رحم الله من مات ومتع الله الباقين بالصحة والعافية، بالطبع كان حظي أن أدرس تاريخ الإعلام السعودي عند الدكتور عبدالرحمن الشبيلي (رحمه الله) فقراري دراسة اللغة العربية وجدته خياراً إجبارياً ومحبباً لي.

• كيف وجدت فترة الابتعاث، وماذا أضافت لك فنيّاً وجمالياً؟

•• تجربة حياتية مهمة، استطعت خلالها أن أحصل على الماجستير في علم المكتبات والمعلومات من جامعة كلاريون بنسلفانيا في الولايات المتحدة لأمريكية، وبكل تأكيد؛ السفر والرحلات مفيدة فما بالكم بمن يختلط بعالم جديد ويمارس لغة مختلفة، ويعرف كيف يحصل على المعلومة، استفدت كثيراً، وأصبحت على دراية، إلى حدٍّ ما، بعلم المكتبات والمعلومات، ما أفادني كثيراً في عملي بمكتبة الملك فهد الوطنية، كان بإمكاني أن أواصل دراسة علم المكتبات والمعلومات وأحصل على شهادة الدكتوراه، ولكن سطوة الأدب والمسرح حالت دون ذلك.

• ما سرّ العلاقة بالمكتبات؟

•• حب القراءة، وإيماني بأهمية وجود المكتبة في المنزل وفي المدرسة وفي الأحياء والمؤسسات، لأني أشعر أن المكتبة أشبه بالقلب النابض الذي يضخ الدم والحياة، مكتبة والدي الصغيرة والبسيطة هي البداية، ثم مساهمتي في المكتبات المدرسية على عيوبها، المؤلم أنه منذ سنوات استبدلت إلى مراكز مصادر التعلم، وللأسف هنا تحجيم للمكتبة لتكون أشبه بخارطة العالم أو وسيلة مختبرية، فبدلاً من نافذة كبيرة يطل بها التلاميذ إلى عالم أرحب استبدلت إلى فتحة صغيرة يرون من خلالها ما يرتبط بمنهجهم الدراسي فقط، ويحدث الآن بتحويل المكتبات العامة إلى مراكز ثقافية، لا أدري لماذا الخوف من كلمة (مكتبة) هل هي تقليدية، العالم لم يغير الاسم مطلقاً، وبقيت المكتبات العامة حاضرة وبقوة في كل مكان، تعلقي بالمكتبات جعلني أثناء عملي بإدارة تعليم البنات بالطائف أساهم بتوزيع كتب متراكمة في المستودعات بتوزيعها على جميع مدارس البنات بالطائف، وكانت الفرصة الكبرى، التي أعتبرها تتويجاً لي في مسيرتي الحياتية عندما تشرفت بطلب إعارتي لمكتبة الملك فهد أثناء بداية تشغيلها بخطاب بتوقيع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز (حفظه الله) حينها كان المشرف على مشروع المكتبة، لأنتقل بعد ذلك للمكتبة وأرشح لبعثة دراسة الماجستير في مجال المكتبات والمعلومات، وبعد تقاعدي، ما زالت علاقتي بالمكتبات والكتاب، أحرص على حضور أغلب معارض الكتب، ومتعتي تتجلى حين أزور مكتبة أو أحضر عرضاً مسرحياً.

• ما المادة الخام التي كانت لبنة أولى في ذهنية السارد داخلك؟

•• بكل تأكيد الخيال الذي يتكون من مشاهدة وجوه الناس ملامحهم، حكاياتهم، ربما تكون نظرة السارد تختلف على أي إنسان عادي، حتماً تأسرني التفاصيل الصغيرة، الطفل الصغير الذي يجلس على عتبة الباب الذي يشاهد العالم الجديد، والذي كان منطلقاً لكتابة روايتي (غفوة ذات ظهيرة)، إضافة إلى السماع؛ سواء الحكايات الشعبية البسيطة التي كنت أسمعها من كبار السن نساء أولاً ورجالاً، أو ما يتناقل إخبارياً عبر الإذاعة والتلفزيون أو يكتب بالصحف، ولكن هذا السماع أو القراءة حتماً تكون مختلفة فثمة ما وراء الأخبار والخيال الذي ينقل لخيال آخر مختلف أقوم بتكوينه؛ وفق تراكمات قد يتشكل منها قصة أو رواية أو مسرحية.

• هل تذكر نصك الأول، متى كان؟

•• نصي الأول كان رواية بعنوان (اليتيم الشارد)، وكان المطر هو المقيّم أو الناقد الأول لهذا النص، ذكرت ذلك في شهادة ألقيتها حول تجربة الكتابة، كان ذلك في المرحلة المتوسطة، ربما كتبت بعد ذلك وبكل تأكيد كتبت نصوصاً كثيرة بعد ذلك، وما أزال، ولكن كتابة النص أو النصوص الأولى في زمننا قبل الكمبيوتر كان لها متعة كبيرة، اختيار نوع الورق، ولون القلم، هنالك من يحب الكتابة بقلم الرصاص؛ كثير أذكر منهم عبدالله باخشوين (رحمه الله)، هنالك من يحب الكتابة بقلم حبر خاص، بعد ذلك تبييض المسودة، وتهيئتها للنشر أو الإرسال لمن يقرؤها، وقبل الفاكس كانت كتابة النص لأكثر من مرة، نسخاً للأصدقاء ونسخاً للاحتفاظ بها ونسخاً للنشر، اختفى كل ذلك في زمننا الحالي، بل إن البعض يكتب نصه بهاتفه المحمول ويبعث به للنشر، وأعتقد أن ذلك يفقد متعة الكتابة.

• ما معنى أن تكون كاتباً وكاتباً مشهوراً؟

•• جميل أن أكون كاتباً، أما الشهرة فتوفيق من عند الله، علماً أن الشهرة في زمن وسائل الإعلام الجديد تشوهت، متعة الكاتب أن يقرأ نصه القصصي أو الروائي أو قصيدته الشعرية قارئ في مكان بعيد في زمن بعيد، دون أن يكون لهذا القارئ علاقة بالكاتب وأن يكون لهذا النص التأثير الإيجابي، ويمنحه المتعة، أذكر أن قارئة بكل تأكيد عربية من شمال بريطانيا وجدت نسخة من روايتي (حالة كذب) وقرأتها وأرسلت لي عبر البريد الإلكتروني رسالة تعبر عن إعجابها بالرواية، كلمات قليلة كان لها التأثير الكبير لتشعرني أنني فعلاً كاتب روائي وهذا يكفي.

• ما رأيك بمن يحدد مشروعه الكتابي قبل أن يبدأ؟

•• الكتابة مشروع بحد ذاتها، ولكن القصة لا تحتاج إلى مشروع لأنها غالباً حالة شعورية كما الشعر، لكن الرواية غالباً لا بد من تحديد مشروع الكتابة حول ماذا وما هي الشخصيات والمسار والأمكنة والأزمنة، بعد ذلك يشرع الخيال للكتابة، وبالطبع يصاحب ذلك البحث والقراءة وجلب المعلومات لتقديم عمل روائي متكامل.

• هل ينبغي للكاتب الاحتفاظ بمساحة للفصل بين ذاته الكاتبة والأخلاق؟•• الكاتب الجيد هو الذي يكتب بتجرد، ولكن لا يعني ذلك ضرب القيم والأخلاق بالحائط وممارسة تجاوزها، ولكن يتعامل مع الرقيب الداخلي بعقلانية، ربما يكون الرقيب الداخلي قوياً محاطاً بقيم وأخلاق ومحظورات تمنعه من التجاوز، ولكن بعد تجارب في الكتابة والقراءة يجد أن هنالك طرقاً ومداخل قد لا تعيق، ليتم التجاوز من خلالها لرفع السقف الرقابي، حدث لي ذلك عند كتابة روايتي الأولى (رائحة الفحم) كان الرقيب قوياً، فلم أعط حرية لأبطال النص، لو كتبت هذه الرواية الآن ربما تفاجأت قبل غيري بما سيقدمه أبطال تلك الرواية.

• لماذا تشي عناوين أعمالك بالشعرية، بل هي عناوين شاعرة؟

•• أنا لم أفكر مطلقاً أن أكتب الشعر، ولكن أقرأ وأتذوق الشعر، أتذكر جملة لإدغار موران يقول فيها «إن الشعر يبدأ مع الحياة، إنه يطل منذ لحظة ما نسميه (متعة العيش)….»، بعض النقاد تحدثوا عن اللغة الشعرية في مجموعاتي القصصية الأولى، بالنسبة للعناوين فأبحث عن المختلف المتميز والمتناغم (لا ليلك ليلي ولا أنت أنا)، (الحكواتي يفقد صوته)، (أنت النار وأنا الفراشة)، (يوقد الليل أصواتهم ويملأ أسفارهم بالتعب)، ربما يتضح ذلك في المجموعات القصصية أكثر من الروايات، ورغم ذلك أبحث عن المختلف، (طائف الأنس)، (حالة كذب)، (مقامات النساء)، (قطرة كحول).

• متى قررت الانتقال من القصة للرواية؟

•• كما أسلفت، محاولتي الأولى كانت كتابة رواية، بالطبع دون وعي، وبتوفيق من الله لم تكتمل المحاولة، الأمر الذي جعلني أقرأ وأحرص على عدم الكتابة إلا عندما أشعر أنني فعلاً قادر، كانت قراءاتي في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات أغلبها أعمال قصصية تشيكوف، يوسف إدريس، زكريا تامر، وغيرهم، في ذلك الوقت كانت الرواية متوارية في المملكة لا يوجد غير أسماء يعدون على أصابع اليد الواحدة، وكان الصدى للقصة القصيرة، ومن حسن حظي أكون من ضمن كتاب القصة في الثمانينيات، حيث الحضور والتميز، وفي نهاية عام 1984م قررت أن أكتب رواية، وذلك بعد نصوص قصصية كثيرة كتبتها ونشرتها في أغلب الصحف، وبعد صدور مجموعتي الأولى، ونشر وعروض مسرحيتي الأولى، تفرغت لمدة ما يقارب العام لكتابة الرواية، لم أحرص وقتها على كتابة القصة لأخرج برواية (رائحة الفحم) التي كتبتها أكثر من مرة حذفت الكثير وأضفت القليل لتخرج بشكل رضيت عنه، وربما لو كان هنالك إقبال وموقف إيجابي لتلقي الرواية حينها، أي رواية وليس رائحة الفحم فقط ربما واصلت كتابة الرواية إذ إن مجموعتي القصصية (أنت النار وأنا الفراشة) شاهد على إجهاض أكثر من رواية.

• من أين نشأت العلاقة بالمسرح؟ ولماذا يشعر البعض أنه عشقك الأوّل؟

•• أعتقد منذ الطفولة، كنت مفتوناً بالتقليد، أمارس لعباً يعتمد على تقليد بعض الشخصيات مع أبناء الجيران، ثم حضرت عرضاً تهريجياً مسرحياً في المدرسة الابتدائية، وضحكنا، وتابعت بعض الأعمال الدرامية في التلفزيون لأشاهد بعض المسرحيات وأقرأ أيضاً بعض المسرحيات، وذلك مع مرور السنوات ليتشكل لدي المسرح الذي كان أشبه بمكعبات البناء للأطفال، ليتشكل بعد ذلك في ذهني وعلى الواقع المسرح، ولتكون التجربة الأولى في الكتابة مسرحية (صفعة في المرآة) وانتقل بعد ذلك إلى الإعداد المسرحي والإخراج من خلال مسرحية اللعبة عن مسرحية المقهى الزجاجي لسعدالله ونوس، بقيت بعد ذلك العلاقة، ولكن عن بعد لأبقى كاتباً مسرحياً.

• متى يملّ الكاتب الكتابة، أو تملّه؟

•• الكتابة حياة، ربما أوقات تقل العلاقة بالكتابة، حين يقل المحفّز، أو ينشغل الجسم والذهن بأمور الحياة، ولكن من يقرأ، ويشعر بمتعة الكتابة، أعتقد لن يشعر مطلقاً بالملل.

• بماذا تصف الثقافة السعودية اليوم؟

•• لحظة مخاض أعتقد أنها طالت كثيراً، مرحلة ما قبل الوزارة، ومرحلة ما بعدها، هنالك أشياء كثيرة معلقة، مثل الأندية الأدبية، موجودة وغير موجودة، هنالك ازدواجية بالعمل بين الهيئة والأندية وجمعية الأدب الجديدة، التي وزعت سفراء لها في كل مناطق المملكة، هنالك فعاليات ثقافية في كل لحظة وكل مقهى، مع غياب غريب للنشر الحكومي، كانت الأندية قائمة بذلك وأعتقد أنها الآن توقفت، الأمر ينطبق على المسرح الازدواجية بين الهيئة والجمعية، ورغم هذه الدوامة، فهنالك فعل ثقافي متميز من خلال ما ينشر من إبداع، يكفي حضور رجاء عالم في القائمة القصيرة للبوكر هذا العام، أتمنى الاهتمام بالنشر، الاهتمام بالمبدع، وإعطاءه حقه الذي يستحق، وتنظيم النشاط المنبري وفق ضوابط محددة.

• إلى أي مستوى من القناعة تميل مع القول الناقد، بأن ثيمة أعمالك إنسانية وأخلاقية؟

•• بكل تأكيد، إنسانية وأخلاقية، ولكن غير مباشرة، وهنا أحتاج لمن يقف عند كل عمل إبداعي أكتبه، ناقداً ومحللاً، قيمة العمل الإبداعي بالأثر الذي يشعر به القارئ بعد انتهائه من قراءة النص، ويأتي دور الناقد، بتقديم قراءة أخرى، قد تضيف أو توضح، وقد تكون مجرد كلام مكرر، وهنا يكون دوري كمبدع تجاه الرأي المطروح حول عملي الإبداعي هل أتفق أم أختلف، هل أصل إلى مستوى جيد من القناعة أن تلك المقولة صحيحة أم لا.

• ما رأيك بمن يصف علاقات النقاد بالكتّاب بالتبادلية النفعيّة؟

•• المشكلة في المشهد الثقافي في المملكة أنه تم تحجيم المبدعين مقابل إبراز النقاد، فأصبحت الكلمة الأولى والأخيرة للناقد، وبقي صوت المبدع موارباً، فتسلم النقاد المنابر، وبدأنا نسمع عن مؤتمرات النقد، ونقد النقد، ونقد نقد النقد، وهكذا، بينما تصدر أعمال شعرية وقصصية وروائية ولا يلتفت لها، من المؤلم أن أحد النقاد الأكاديميين في ملتقى حائل قال ذات جلسة على هامش ملتقى الأدباء؛ الذي عقد في حائل منذ أشهر بأنه لا توجد رواية سعودية جيدة، وعندما سأله أحد الجلوس: هل قرأت لفلان وفلان، أجاب بالنفي، هذا الخلل الموجود للأسف في المشهد الثقافي، النقاد في المملكة ينطبق عليهم مقولة الشاعر دعبل الخزاعي «إني لأفتح عيني حين أفتحها على كثير ولكن لا أرى أحداً»، للأسف لا يقرؤون، ويتعاملون مع بعض المبدعين بفوقية غريبة، هم بحاجة للمبدع وليس العكس، والنظريات النقدية مقرها المراكز العلمية والجامعات، أما المشهد الثقافي فيحتاج إلى من يقدر النص الإبداعي ويتعامل معه بصدق وموضوعية، ويتجرأ ليقول هذا العمل جيد وهذا دون المستوى، هنا تكون العلاقة صحية بين الكاتب أو المبدع والناقد.

• هل حصْدُ الكاتب للجوائز دليل على جودة المكتوب؟

•• حصلت على المركز الأول في مسابقة القصة القصيرة في جامعة الملك سعود، وبعد 40 سنة حصلت على المركز الأول في مسابقة الجوائز الكبرى في مجال الأدب وتحديداً الرواية، وأرى في هذا نوعاً من التقدير، وفي الأولى مشجعاً ومحفزاً، مشروع الجوائز الوطنية الثقافية ضمن مبادرات وزارة الثقافة أمر جيد، ولكن نحتاج لأكثر من جائزة، وأن تكون هنالك جوائز تشجيعية وجوائز تقديرية سنوية وفق ضوابط معينة؛ أسوة بمصر والكويت، هذا ما يتعلق بالجوائز في المملكة، بالنسبة لبقية الجوائز وبالذات (البوكر) فهنالك جدل حولها، فيقال إنها تخضع لمزاجية القائمين عليها أو لاعتبارات خاصة، عموماً الجوائز مهمة تدفع القراء للاطلاع على نتاج الكاتب، وزيادة في الانتشار، ومحفز للكاتب أن يقدم ما هو أفضل.

• بماذا تصف تجربتك الصحفية محرراً وكاتب زاوية ومدير تحرير؟

•• بدأت بالتحرير الصحفي مشاركاً في مجلة الآداب أثناء دراستي الجامعية، ثم بدأت أكتب زاوية مع نشري لقصصي، وشاركت سكرتيراً للتحرير في مجلة (التوباد) التي كانت تصدر عن جمعية الثقافة والفنون بالرياض، قبلها شاركت في تحرير ملف نادي الطائف الأدبي، وبعد عودتي من أمريكا، قررت أن أخوض العمل الصحفي الأدبي فبدأت بـ(اليمامة) ثم انتقلت لجريدة الرياض لمدة قاربت العشرين عاماً، لأتفرغ، أخيراً، مديراً لتحرير المجلة العربية. العمل الصحفي الأدبي والثقافي له متعة خاصة، يكفي أنك تقدم تشكيلة ثقافية متنوعة للقارئ بين الإبداع والتحقيقات والدراسات المختلفة، كتابتي زاوية أسبوعية لفترة طويلة أشبه بتمارين الكتابة التي تكسب قوة ومناعة، وعملي التحريري أشبه بالحرفة التي يكتسب منها، وتحقق كثير من الطموح بالمشاركة الثقافية من خلال تقديم وعاء ثقافي متميز، آمل أن أكون، وفقت بذلك.



[ad_2]

Source link

Leave a Reply