عدنان الصائغ: كأنّ تجربتي هذيان طويل – أخبار السعودية

عدنان الصائغ: كأنّ تجربتي هذيان طويل – أخبار السعودية

[ad_1]

تعد تجربة الشاعر عدنان الصائغ من أنضج التجارب الشعرية لجيل السبعينيات العربي، كيف لا وهو الذي حياته قصيدة، وأيامه نشيد، وعلاقاته بحور وأنهار، وأماسيه أوزان وقوافٍ، يأسر الصائغ عارفيه ومحبيه بهذا السمت الهادئ، حتى يأتي الشِّعر فتغدو الكلمات فوّهات ألم وعذابات شأن البراكين التي لا تنتهي تماماً ولا تثور كُليّاً.. هنا نص حوارنا مع صاحب «نشيد أوروك» و«نرد النص»:

• من «نشيد أوروك» إلى «نرد النص»، كأنك ما زلتَ مسكوناً بألم يصعب التعبير عنه في مجاميع صغيرة.. ما تعليقك؟

•• الألم المرُّ والمريرُ الذي اعتصر حياتَنا كلَّها عقوداً من الحروب والطغيان والحصارات المتعددة، أضفى على تجربتي في الكتابة شكلاً مختلفاً كأنه هذيان طويل مسعور لا ينتهي، مضى بي إلى مديات تجريبية لا يمكن لأي نص أن يستوعبها. وهكذا وُلدتْ أولى سطور «نشيد أوروك – أو هذيانات داخل جمجمة زرقاء لا علاقة لعدنان الصائغ بها» وأنا وقتها كنتُ جنديَ احتياط مرمياً في إسطبل مهجور في قرية شيخ أوصال في كردستان (شمالي العراق). كان ذلك عام 1984، وانتهيتُ منها عام 1996 وأنا لاجئ في بيروت. كان الهذيان ممتداً على مساحة تجاوزت الـ550 صفحة ونحو 12 عاماً. ولم أكن أدري أو أتصور أين سترمي بي الأقدار ثانية؛ مكاناً أو نصاً.

غير أن القدر قادني مرةً أخرى في عام 1996 نفسه، من رمال بيروت الساخنة إلى ثلوج جنوب القطب (شمال السويد)، إلى تجربة نصٍّ مفتوحٍ أكثر غرائبية وتجريباً وطولاً لأنتهي منه العام الفائت 2022 بعد نحو 25 عاماً، و1380 صفحة، حمل عنوان «نرد النص».

لكن كما تعرف والكثيرون أنني مهتم وأميل إلى كتابة قصيدة الومضة والتكوينات القصيرة، وقد صدرت لي عدة مجاميع شعرية بهذا الشأن وعرفت بهذا النوع من الكتابة، وهناك دراسات كثيرة حول ذلك، حتى أن شاعرة طالبة دكتوراه اسمها هناء أحمد كانت تعد عدتها لأن يكون عنوان أطروحتها للدكتوراه عن قصيدة الومضة والنصوص القصيرة في شعري، غير أن دخول «داعش» إلى مدينتها الموصل، جعلها وعائلتها تلجأ إلى بغداد وهناك أكملت أطروحتها لكن بعنوان «عتبات النص في شعر عدنان الصائغ» لظروف الجامعة واشتراطاتها، وهكذا ظل الموضوع مفتوحاً.

• ألم تتخوف من تردد القارئ في اقتناء ديوان كبير يتجاوز 1380 صفحة، ناهيك عن قراءته؟

•• نعم كثيراً ما واجهني هذا السؤال ونحن نعيش زمناً مكثفاً بكل شيء لغة وإنجازاتٍ، وصولاً إلى الأغنية السريعة وتغريدات «الموبايل». وجوابي أنني أدرك ذلك تماماً، خصوصاً وأنا أعيش في الغرب منذ نحو ثلث قرن، حيث لا فائض من وقت أو كلام. لكن لم يكن الأمر باختياري حقاً؛ أي لم أكن أقصد التطويل ولا أحبذه في أي عمل أو خطاب. غير أن هاتين التجربتين كانتا مختلفتين عن كل تجاربي وجيلي أيضاً. وكأن قدرهما -مثلما هو قدري- أن تكونا كذلك. فعندما بدأت في العمل الأول «نشيد أوروك» كنت أتصور أنني سأنتهي منه بعد 10 أو 20 سطراً أو صفحة أو صفحتين أو 10 صفحات، وإذا به يجرني لما لم أتوقعه ولا الناقد جبرا إبراهيم جبرا، ولا الشاعر عبد الرزاق الربيعي، ولا خالي د. عبدالإله الصائغ، وهم من واكبوا بداياته.

والأمر نفسه حدث مع «نرد النص» فقد قادتني سطوره الأولى إلى مسالك جديدة ومتاهات لم أكن أحسب لها حساباً ولم أكن أتخيل أنني سأقترب منها يوماً. فطريقي الشعري غير هذا، لكن هذه هي مفاجآت النص التي قد يفاجئ حتى كاتبه بما لم يكُ يحسب له حساباً.

إنه؛ أي «نرد النص»؛ حرثٌ في المسكوت عنه والمعلن أيضاً، في متون وهوامش التاريخ والدين والميثولوجيا والسلطة والجنس والمجتمعات والنظم المعرفية وغيرها، كاشفاً وسائلَ ومُحاججاً في (وعن) تلك الإشكاليات الكبرى التي أثقلت الإنسان على مر التاريخ والحقب -وخصوصاً نحن العرب- مكبلةً ومكممة (ومسممةً أحياناً) الحياةَ والفكر والروح، لتحجب عنا -لقرون وما زالت- مسالك التنوير والتفكير والعلم والاجتهاد والابتكار والحداثة.

• هل يغدو النص بين يديك سرداً لا متناهياً؟ سردته القصيدة؛ إن صح الوصف؟

•• ربما نعم في حيز من القصيدة، وليس بالعموم؛ فقد يثقل السرد على النص، بل قد يقتله. الأمر كله يخضع ويعتمد -أولاً وأخيراً- على مهارة الشاعر وتمكّنه من أدواته وثقافته، وعلى موضوعاته التي يطرحها والشكل الذي لبسته أو ألبسها، وعلى اللغة والإيقاع والصورة وأشياء أخرى كثيرة.

والأمر يصبحُ معكوساً وصحيحاً أيضاً في الرواية والقصة والآداب والفنون الأخرى؛ فقد ترى فيها شعراً أو روح الشعر. وخذْ «خريف البطريرك» لماركيز، و«في مديح زوجة الأب» لماريو بارغاس يوسا، مثلاً. وبعض قصص زكريا تامر، وفيلم «عازف البيانو» للمخرج رومان بولانسكي، أو بعض أفلام المخرج عباس كيارستمي، أو مسرح صلاح القصب أو لوحات ج. م. و. تيرنر، أو علاء بشير، وفان كوخ… إلخ. وقوائم الجمال والشعر تطول.

• ألم تخطر ببالك كتابة الرواية؟

•• لا.. كذلك القصة أو الرسم أو الموسيقى، وذلك لإيماني وادراكي أن الشعر قادر أن يضم كل تلك الأنواع الأدبية والفنية والمعارف الإنسانية وحتى العلوم والفلسفات. وهذا ما تراه في النشيد وأكثر في النرد فقد تجد الفن التشكيلي والموسيقى والسينما وشكل الرواية والقصة القصيرة والهندسة والعلوم والمذكرات والرسائل والمناشير والأخبار والإعلانات… إلخ. إنه نص مفتوح على كل ما يخطر وما لم يخطر ببال وحال. لهذا، وعوداً على سؤالك السابق، فكثيراً ما عدوهما أي «نشيد أوروك» و«نرد النص» شكلاً من رواية شعرية، أو سرداً شعرياً.

• كيف تعيش التحديث في نصك، بحكم أن العراق مدرسة تجديدية؟

•• دائماً يذكّرنا الشاعر محمود درويش بذلك، في مقطعه: «الشِعْرَ يُولَدُ في العراقِ، فكُنْ عراقيّاً لتصبح شاعراً يا صاحبي!». وكنتُ قد التقيته في بغداد، وكذلك في عمان. وكذلك المفكر جاك بيرك في قوله: «العراق بلد شعري» وكنتُ قد التقيته في العراق أيضاً.

هذا الكلام وغيره ألقى على كاهلي -وغيري من الشعراء- مسؤولية مضافة ومضاعفة، خصوصاً والأمر الأكبر هو هذا الإرث الذي أحمله معي وفيَّ من أول ملحمة شعرية عرفها تاريخ الشعر في العالم «ملحمة جلجامش» مروراً بأغاني اينانا والنصوص السومرية والأكدية والبابلية والآشورية والعربية الإسلامية وكذلك المدارس الفكرية والتنوع الديني والعِرقي: العرب والأكراد والتركمان والسريان، والمندائيون، واليهود والمسيحيون، والكلدوآشوريون والإيزيديون، والشبك، والكاكائية والبهائية والزرادشتية… إلخ، مروراً بالمدارس النحوية: (الكوفة والبصرة وبغداد)، والمذاهب الفقهية والصراعات الفكرية (المعتزلة والأشاعرة والحنابلة والإمامية… إلخ)، ومعهم (القدريَّة والجَبريَّة… إلخ، وخلق القرآن… إلخ) ودخولاً وتوقفاً أمام انعطافات الشعر العباسي، وتجارب الفترة المظلمة، والبند وثورة الشعر الحديث (قصيدة التفعيلة على يد السياب ونازك والبياتي وبلند، وبعدهم سعدي يوسف وحسب الشيخ جعفر وفاضل العزاوي وفوزي كريم وعبدالكريم كاصد… إلخ)، ثم قصيدة النثر (سركون بولص وزاهر الجيزاني وخزعل الماجدي وهاشم شفيق وحكمت الحاج وطالب عبد العزيز… إلخ)، ثم النص المفتوح، والشذرات و(الهايكو)… إلخ.

وكنتُ أرى في تنويعات هذا الإرث الضخم، عاملاً مهماً للانفتاح ومواصلة التجريب (المدروس وحتى غير المدروس) دون خوفٍ أو تردد، ووجدتني أمضي في ديواني ما قبل الأخير (و..) وأكثر في ديواني الأخير (نرد النص)، إلى تخوم بعيدة جداً في افتراع الأشكال والمعاني وغير ذلك.

لأُجربْ، لتجربْ. ما الذي تخسره إن كنت واثقاً من نفسِكَ. وطُوبى لمن عاشَ التجربة في الشِعر والحياةَ.

• بين الأمسيات في الغرب وأمسياتك لجمهور عربي.. كيف تصف انفعالك وتفاعل جمهورك مع نصك في الأماسي الشعرية؟

•• سؤال جميل ينفتح عن ألبومات أثيرة ومثيرة عن ذكريات ولقاءات وحوارات رافقت أو أعقبت تلك الأماسي، عن مشهدين مختلفَين وجمهورَين متنوعَين ولغتين بينهما بحارٌ ومفازات وإرث وايقاعات وأسرار.

في الأمسيات العربية تصل اللغة/‏القصيدة مباشرةً وحارةً إلى جمهورها لا يقطعها شيء، لكن قد تجد أحياناً ثمة شروداً أملته أوضاعنا.

في الأمسيات الغربية تجد ذائقات مختلفة وجمهوراً مختلفاً ليس له من إرثٍ عنك مسموعاً أو مقروءاً إلا النزر، في الكثير من الأحيان، فتكون هي أمام موسيقى لغتك يتصاعدون معه حتى تطل الترجمة بينكما لتقربك أو تبعدك، قليلاً أو كثيراً.

وتحت ذلك الجسر الذي بينكما تتمازج الكلمات والصور والمشاعر. ولأنه جمهور احترف ثقافة الإصغاء فكثيراً ما تجده مشدوداً لهدير الصوتين معاً؛ الشاعر ومترجمه. وفي النقاشات واللقاءات في الأمسية أو بعدها تتلمس ذلك، وتتلمسه أيضاً في مقتنيات الكتب خلال الأمسية باقتناء نسخة أو أكثر من نسخة أحياناً موقعة لتُهدى لصديقٍ أو حبيبٍ أو عائلة.

نعم، لقد لمستُ -وغيري- الكثير من الحفاوة في بلاد الغرب، في السويد وبريطانيا اللتين عشتُ فيهما، وكذلك في العديد من عواصم العالم التي زرتها وألقيتُ شعري فيها، من كندا إلى هولندا، إلى كولومبيا، إلى الإكوادور، إلى كوبا، إلى اليابان وإلى وإلى…

• ألا يزال العراق يبتعد عنك كلما اتسعت في المنافي خطاه؟•• إنها معادلة صعبة لا يدركها إلا من تنقل في المنافي، وتقلَّب ببلده الحالُ والمآل. كأني أستعيد معه هذا النص الذي كتبتهُ قبل 27 عاماً:

«لي بظلِّ النخيلِ بلادٌ مسوّرةٌ بالبنادق

كيف الوصولُ إليها

وقد بعد الدربُ ما بيننا والعتابْ

وكيف أرى الصَحْبَ

مَنْ غُيّبوا في الزنازين

أو كرّشوا في الموازين

أو سُلّموا للترابْ

إنَّها محنةٌ -بعد عشرين-

أنْ تُبْصِرَ الجسرَ غيرَ الذي قد عبرتَ

السماواتِ غيرَ السماواتِ

والناسَ مسكونةً بالغيابْ»!

• هل هاجس الشاعر الأكبر هو الأمان؟

•• ليس من أمان لأي شاعر مختلف -خصوصاً في بلداننا المحكومة بالكثير من الممنوعات- وهكذا تجد أن الكثير من شعرائنا ماتوا خارج أوطانهم، وخذ الكاظمي والجواهري والصافي النجفي، وخذ بعدهم جيل الرواد البياتي ونازك وبلند، وبعدهم: سعدي وسركون وفوزي وأنور الغساني ومظفر النواب ومصطفى جمال الدين ومؤيد الراوي وجان دمو وعبدالأمير جرص، وبعدهم من أجيالٍ.. وصولاً إلى كريم العراقي الذي رحل عنا قبل أيام.

ولأن الشاعر الحقيقي ثورة دائمة ضد الثبوت الفج والظلم والقبح والقناعات والشعارات الفارغة فهو في صِدامٍ دائمٍ.

ولهذا فهو عندما يبحثُ عن الحرية والأمان والتقدم لوطنه ولناسه وللعالم وبالتالي له أيضاً، فكأنه يبحثُ عن «يوتوبيا»، لذا ترى قوائم التصفيات الجسدية والمعنوية والمطاردات والتشويهات تلاحقُ الشاعر دائماً وأبداً.

• إلى أي مستوى أنت راضٍ عن الحياة في ظل ما عشته من أهوال الحروب؟

•• أتذكر عنواناً جميلاً وضعه الشاعر التركي ناظم حكمت لكتابه: «الحياة هي جميلة يا صاحبي»، وقد عاش مرارات السجون والأقبية لعقود، والمنفى أيضاً حتى وفاته فيه، لكن ضوء الشعر كان يملأ كيانه ويمده بالكثير، وهذا الضوء دائماً كان معي في خضم تلك السنوات الحالكة والطاحنة من الحروب والقمع والحصارات، ثم التشرد والمنافى ومكابداتهما أيضاً.

• أي مجموعاتك الشعرية عبّرت عنك بموضوعية؟

•• في كلِّ مجموعة شعرية هناك بالتأكيد شيءٌ مني أو من مرحلةٍ من حياتي. وقد يتغير هذا الاِنشداد من ديوان لآخر، ومن عمرٍ لآخر، ومن حالٍ لآخر. فكل شاعر تجده في مرحلة أو حالٍ ما، ملتصقاً بنص أو ديوانٍ، حتى يأتي آخر فيجذبه إليه. وفي النهاية يجد نفسه مقسماَ كأنه يستعيد قول شاعر ما قبل الإسلام عروة بن الورد «أُقَسِّمُ جسمي في جُسومٍ كثيرةٍ».

لكن في خضم هذا قد يجد الشاعر نصاً لا يفارقه أو ديواناً أكثر قرباً إليه -كما ذهبتَ في سؤالك الكريم- وهذا ما لمْ أتلمسه بهذا الوضوح في حالي وتجربتي، لكنني رأيتهُ كثيراً عند قراءٍ لي ونقاد ودارسين، كانوا يميلون لنص أو ديوان دون سواهما، وهذا ما يستوقفني كثيراً للتأمل أو المراجعة.

• ماذا عن فكرة الديوان المسموع والقناة «اليوتيوبية» لإلقاء القصائد من خلالها؟

•• إنها فكرة جيدة للشاعر، تقرّبه من جمهوره وقرائه. وتنقل إليهم إيقاعات روح الشاعر وهو يمر بنبرته، بصمته، أو يتماوج بين الكلمات ونقاط التوقف، صعوداً أو خفوتاً وما بينهما، فيعطي للقصيدة مستوى ومناخاً وملمساً.

وقد أتيح أخيراً أن تكون لي قناة على اليوتيوب تضم الكثير من القراءات والأمسيات الشعرية والحوارات.

• ما الذي تنتظره مبدعاً من الذكاء الاصطناعي؟

•• الشعراء والفنانون يميلون إلى الطبيعة أكثر من ميلهم إلى كل ما هو اصطناعي أو آلي. لكن لا بأسَ أن يكون لهذا الذكاء «الجديد المُصنَّع» مكانةً ما في أسلوب حياتنا العصرية وأنماط احتياجاتنا. فالعصر والعلم يسيران بسرعة خارقة ولا يمكن ولا ينبغي لنا إيقافه عدا المُجْمَع على مضرته.

• كيف يمكن أن تصف تجربة دعوتك لمقهى هافانا في مكة المكرمة؟

•• هي دعوتي الأولى إلى الأرض السعودية عام 2010، وحدثت لي مفارقات لم أكن أتصورها خصوصاً أنني كنت قبلها بعام؛ أي 2009 مدعواً إلى العاصمة الكوبية (هافانا) للمشاركة في مهرجان شعر دولي.

بَلَدان متباينان أزورهما لأول مرة بأجواء وتقاليد مختلفة إلى حد ما، عما هي في بلدي وكذلك عن البلدان العربية والأوروبية التي سكنتها أو مررت بها. والحديث يطول ويُدهش وذو شجون وشؤون.

• ما أثر الإقامة في الغرب على قصيدتك؟

•• كان ذلك التأثير على ثقافتي وتجربتي الشعرية معاً، كثيراً ومهماً؛ فالاطلاع والانفتاح على العالم وثقافاته المتنوعة يفتح لك أكثر من نافذة وأفق، فالشوارع والجسور والناس والمتاحف والحدائق والتماثيل تنفتح أمامك أحياناً ككتاب، بما تراه من معالم فنية كلاسيكية وحداثوية، ومن تجارب وسطور.

• كيف ترى المملكة اليوم؟

•• أحلم وأتمنى دائماً أن أراها وبلداننا العربية وبلدي في ارتقاء وتطور إلى أفق مفتوح حر، ليس بالأبنية فقط بل بالبنية العقلية.

• ما مصدر سعادتك المتجدد؟

•• في نص قديم بعنوان «عن المسدسِ الذي أصبحَ شاعراً» نُشر بعنوان «بالون» في ديواني «مرايا لشعرها الطويل» عام 1992، أقول فيه:

«أنتَ تملكُ الصكوكَ..

وأنا أملكُ القصائدَ..

ورغم ذلك فأنا أكثرُ سعادةً منكَ

حياتُكَ: بنوكٌ، ومسابح من الفسيفساءِ، وسكرتيراتٌ أنيقاتٌ، وكونياك، وملاعق من ذهبٍ، وصفقاتٌ، ودم…

وحياتي: شوارع من الريحِ، وكمبيالاتٌ مستحقّةٌ، وأصدقاءٌ، ومطرٌ، وخبزٌ منقوعٌ بالباقلاء…

ورغمَ ذلك..

فأنا استطيعُ أنْ أضعَ رأسي على الوسادةِ وأَحْلُمُ

أمّا أنتَ فلا تستطيع أنْ ترى غيرَ الكوابيسِ»

وأجد بعد هذه التجربة أن ذلك الحلم (الزهد) ظل يتجدد دائماً وهو مصدر السعادة الذي لا ينفد.

• هل تجد قصيدة النثر عناية كافية في العالم العربي؟

•• إنها الأكثر تعرضاً للظلم والتشويه. أمام طوفان النصوص الرديئة من جهة، ومن جهة أخرى تكلس بعض العقول الثقافية التي ما زالت تمارس عمليات الاستخفاف بها أو إقصائها، رغم أنها الأصعب في فنون الشعر قاطبة. أقول هذا وقد جربت وكتبتُ بكل أنواع الشعر على مدى أكثر من 40 عاماً: القصيدة العمودية، قصيدة التفعيلة، القصيدة المدورة، قصيدة النثر، وأيضاً القصائد القصيرة جداً والطويلة جداً وما بينهما.

نعم إنها القصيدة الخالصة التي تعتمد على مقوماتها الفنية بعيداً عن تزويقات الوزن والقافية وغير ذلك. وقد تحدثت عن ذلك كثيراً في كتابي «القصيدة الآن – من عمود إلى النص المفتوح» الذي صدر قبل أيام عن نادي الأدب الحديث ودار قناديل. وقبله كتابي «اشتراطات النص الجديد، ويليه في حديقة التجربة» عام 2008.

• كيف ترى الثقافة العربية وأنت خارج دائرتها، على المستوى المحسوس؟

•• الثقافة العربية بحاجة ماسة أولاً إلى مناخات من الحرية والتجريب والبحث والتواصل. فطالما ظلت محكومة بقوانين اجتماعية وسلطوية، فإنها ستبقى أسيرةً.

الأمر الثاني الترجمة والتواصل مع العالم، وهذا شأن مهم جداً لم يجد إلا القليل من يلتفت إليه بجدية وحرص وعمل… إلخ.

• ما الذي يبقى في ذاكرتك عن العواصم؟

•• رغم أن ذاكرتي ثقبتها شظايا الحروب والسنوات، لكن يعلق فيها أثناء رحلاتي أو إقاماتي مشاهد وحكايا وصداقات ومفاجآت أظل أعيدها في ذاكرتي وروحي، وقد يتسرب بعضها إلى نصوصي.

• هل أنصف النقاد تجربتك؟•• أقول ربما نعم، قياساً إلى مجايليَّ من الشعراء الذين تتصاعد أصواتهم غالباً بالشكوى.

• أي الأسماء الشعرية السعودية تراهن عليها؟

•• أعد نفسي متابعاً جيداً للشعر في كل مكان، في بلدي والأوطان العربية، وبلدان العالم. وباستمرار يستوقفني هنا أو هناك صوتٌ مغايرٌ أو نصٌّ متفردُ.



[ad_2]

Source link

Leave a Reply