«القوة» في السلوك السياسي بأنواعه.. ! – أخبار السعودية

[ad_1]

كتب أخي وزميلي العزيز الدكتور طلال صالح بنان مؤخراً، مقالاً متميزاً -كعادته- عن «القوة» السياسية، ودورها في السلطة («عكاظ»: العدد20587، 4/‏7 /‏2023م، ص7). أرسله إلي، طالباً إبداء رأيي. فكتبت رأيي في هذا المقال (التعليق)، راجياً أن ينال استحسان قرائنا الأعزاء. معروف، أن الهدف الرئيس للسلطة السياسية (ممثلة بالحكومة، أي حكومة) هو منع الفوضى بين الناس. وتمارس إجباراً، أو اختياراً (سلماً). ومعروف، أن «الاختلاف» بين الناس هو أحد سنن الكون الثابتة. كل البشر، تجمع بينهم خصائص عامة مشتركة. ولكن كل منهم مختلف عن الآخر، وله «خصوصية» معينة، أو يمكن تعيينها. كذلك «الجماعات»، و«الدول»، و«الأمم» (الحضارات) المختلفة. فالإنسان يتجسد في عدة صور (Forms)، من أهمها: الفرد، الجماعة، الحزب، التنظيم، الدولة، الأمة… إلخ. ويتشابه سلوك كل من هذه الصور، سواء كان سياسياً، أو غيره، نتيجة هيمنة العنصر الإنساني فيه. ومن أهم نتائج هذا «الاختلاف» هي: تنوع الحضارات واختلافها عن بعضها. كلها حضارات إنسانية… ولكن كل منها مختلف (مادياً ومعنوياً وقيمياً) عن الآخر، وله خصوصيته، كما للفرد. ومعروف، أنه ينتج غالباً عن تشابه المصالح والقيم، بين البشر (بأي صورة تجسدوا) تحاب وتعاون، وعن اختلافهم تنافر وصراع.

لذا، تلعب «القوة»، بمعناها الشامل، الدور الأكبر في حياة الناس. فـ«القوة» هي الغاية والوسيلة لدى أغلب البشر، وخاصة من اقتربوا من مجال السياسة… حتى أن أحد علماء السياسة عرف «السياسة» بأنها: صراع من أجل القوة. ويمكن تقسيم تطور دور القوة (بشقيها الإجباري والاختياري) في العمل، والتسلط السياسي لمرحلتين: مرحلة ما قبل الثورة الفرنسية، ومرحلة ما بعدها. ومن خير من عبر عن طبيعة المرحلة الأولى هو ابن خلدون. ففي رأيه، أن أصل الدولة -أي دولة- يلخص دور القوة (أو «العصبية») كما ارتآه. تعني «العصبية» -في رأيه- التلاحم والمناصرة، وميل الأفراد لأقاربهم وعشائرهم، ووقوف الفرد مع أهله وأسرته، ضد من يريد إلحاق ضرر بهم. إنها تحزب ذوي العصبية الواحدة وتكاتفهم، مع بعضهم البعض، ومحاولة ظهورهم ككيان واحد… في مواجهة الآخرين. ويرى أن هذا «التعصب» للأهل، هو أمر غريزي في البشر. وينشأ أيضاً عن طريق الولاء والحلف… وهما يعنيان دخول فرد أو جماعة ما، في معاهدة مناصرة مع جماعة أخرى. ويقول: بأن العبرة بانتماء الفرد لجماعة ما إنما هي في: «جريان أحكامهم وأحوالهم عليه».

****

يُرجع ابن خلدون قيام أي دولة إلى ضرورة العيش المشترك، التي يحتاجها الناس؛ فالإنسان مدني بطبعه، والدولة -في رأيه- تقوم على «قوة» العصبية. فبما أن لكل عصبية، أو وحدة بشرية، عزوة (قوة)، فإن هناك بالضرورة عصبيات أقوى (نسبياً) من غيرها. والرئاسة (أو الحكم) إنما تكون بالغلبة أو القوة. لذلك، فإن العصبية الأقوى هي التي تسود. والرئاسة (السلطة) في عصبية ما، تكون -في رأيه- للفرع الأقوى، من أبناء تلك العصبية. فإن ضعف، تنتقل الرئاسة للعصبية الأقوى حينها، وهكذا. ويرى أن الغاية الكبرى التي تسعى إليها العصبية الواحدة، هي الملك، أو الحكم. وتمكنها منه يدعم الأمن، ويمنع الفوضى.

****

وعندما تحارب عصبية ما أخرى، فإن نتيجة المنازلة تحدد مدى نفوذ كل عصبية. فإن لم تتغلب العصبية الأولى على الثانية، ولا الثانية على الأولى، كان لكل منهما منطقة نفوذه، التي يمتد عليها حكمه. أما إن انتصرت إحداهما على الأخرى، فعندئذ تنصهر العصبية المهزومة في العصبية الغالبة، لتصبحا معاً جماعة واحدة. وقال إن الدولة إذا قامت، واستتبت، فإنها تستغني عن العصبية بالتدرج. وذلك بسبب أن الناس لا ينقادون للدولة -في رأيه- في بداية نشأتها، إلا بالقوة… فلما تستقر لها الرئاسة، ويتوالى حكامها، قد ينقاد الناس -في رأيه- طائعين لها، دون حاجة كبيرة إلى قوة. وبين أن حجم الدولة ومساحتها، إنما يعتمد على حجم العصبية الحاكمة، ومدى نفوذها. وفي كل الأحوال، فإن «عمر» أي دولة هو مئة وعشرون عاماً!.

****

وهكذا، نرى أن ابن خلدون يرجع قيام النظم السياسية إلى القوة… فالعصبية الأقوى تسيطر (وتحكم)… ويزول حكمها عندما تضعف، لتحل محلها عصبية أقوى، وهكذا. كما أن الدول الأقوى (أو العصبيات الأقوى) تلغي الضعيفة، وتلحقها (كأجزاء) بالدول الأقوى. وهنا، حاول توضيح طبيعة السياسة داخل المجتمعات (الدول) الواحدة. وكذلك طبيعة العلاقة (الدولية) بين القوى والأضعف، على المستوى الدولي. وقد توصل ابن خلدون لهذا الرأي من ملاحظته العلمية (الثاقبة) لما كان يجري (سياسيا) في زمنه، والزمن الذي قبله (آخر العصور القديمة، ومعظم العصور الوسطى). وكان معظم ما يجري سياسياً في ذلك الزمن، يؤيد ما ذهب إليه، خاصة في المنطقة العربية.

****

أما مرحلة ما بعد الثورة الفرنسية، فيمكن القول إن دور وتأثير «القوة» استمر كما هو منذ الأزل. ولكن معظم دول العالم الآن قد أخذت بآلية «الانتخاب»، والنيابة، لتداول السلطة سلماً، واختياراً، ومن وقت محدد لآخر. بدأ العالم بالنوع الأقدم الذي يستخدم القوة بالأسلوب الذي لاحظه ابن خلدون. حيث كان بعض المستبدين يدعي الألوهية… ويقدم نفسه كإله يعبد. ثم في مرحلة لاحقة اعتبر المستبد «وكيلاً» من الآلهة لحكم الناس… إلخ. وقد عانى البشر الكثير، بسبب بطش واستبداد وظلم أغلب المستبدين بهم، وتكريس الحكم للمصالح الخاصة للحكام. وهنا بدأ المفكرون السياسيون في التفكير في بديل لما أسموه بـ«الاستبداد». فكان أن اكتشفوا آلية الانتخاب، التي يعتبر البعض اكتشافها، وبلورتها فكرياً أولاً، وعملياً ثانياً، مثل اكتشاف «العجلة»!..

ظهر هذا الاكتشاف السياسي في الفكر منذ حوالي 2550 سنة. وبدأ في تطبيقه فجأة في دول اليونان القديمة عام 500 ق.م تقريباً. ثم اختفى من اليونان بعد سنوات قليلة، مع زوال دول الإغريق القديمة، ولكنه استمر في الفكر والكتب، وفي أذهان وتحليلات مفكري السياسة، خاصة في عصر النهضة بأوروبا. ثم وضع موضع التنفيذ والتطبيق في القرن الثامن عشر الميلادي، من قبل الثورة الفرنسية (1789م). ومن فرنسا وبريطانيا اقتبسته أوروبا، ومن أوروبا اقتبسته بقية بلاد العالم. علماً بأن كل دولة تأخذ بجوهر هذا النوع من الحكومات، وتكيف التفاصيل بما يتلاءم وظروفها وخصائصها وأحوالها. فلا يوجد في العالم نظامان سياسيان متطابقان، أو متماثلان تماما.

والآن، نجد أن معظم دول العالم قد تبنت هذا النوع، الذي يقول علماء السياسة إنه يضمن الاستقرار السياسي على المدى الطويل، ولكنه لا يصلح في الحالات الثلاث التي حصرها المفكر السياسي الإيطالي «ميكافيللي»، وهي: إنشاء دولة من عدم، إنقاذ دولة من انهيار وشيك، وإصلاح دولة فاسدة جداً.. ففي كل من هذه الحالات الثلاث يكون النوع المعتمد على القوة المباشرة هو نوع الحكم الأنسب.



[ad_2]

Source link

Leave a Reply