«فُوَّه»… قبلة مميزة للسياحة الدينية في مصر

«فُوَّه»… قبلة مميزة للسياحة الدينية في مصر

[ad_1]

مساجد وبيوت أثرية… وحرف يدوية

تستمد بعض الأمكنة خصوصيتها من الأجواء الروحانية التي تسود تفاصيلها، وأمكنة أخرى تجتذب زوارها بسبب دفء حكاياتها وبيوتها وشوارعها وأزقتها. وتجمع مدينة فُوَّه في مصر بين الأمرين؛ لذلك تُعد وجهة سياحية دينية مثالية في شهر رمضان.

تشعر منذ اللحظة الأولى لزيارة المدينة الواقعة في شمالي وسط الدلتا بأنها مكان مختلف، أهم ما يميزه زخم معالمه الأثرية، لكن لا تعتقد بأنه سيكون من السهل بالنسبة لك مشاهدة جانب كبير من هذه المعالم في زيارة واحدة؛ لأنها تضم 365 مسجداً أثرياً، أي بعدد أيام السنة؛ ناهيك عن المزارات الأخرى التي تنتمي لمختلف العصور الإسلامية (الفاطمي والعباسي والأيوبي والمملوكي والعثماني)، وللسبب نفسه اختارتها منظمة اليونيسكو «المدينة الثالثة محلياً»، من حيث الآثار الإسلامية بعد القاهرة ورشيد، والرابعة على مستوى العالم.

لا يمكن أن تزور فُوَّه من دون التوجه إلى مسجد وجامع «العمري»؛ لأنه من أقدم المساجد الأثرية الموجودة بها، فقد تم بناؤه سنة 21 هجرياً، وسُمي بهذا الاسم لإنشائه في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وإذا كنت من عشاق العمارة والتدقيق أمام تفاصيلها فإنك حتماً ستنبهر بتخطيط «العمري»؛ لأنه وفق الطراز الإسلامي القديم، الذي يشبه تخطيط المسجد النبوي بالمدينة، ومن أهم ملامح تصميمه «الصحن المكشوف» الموجود في وسط سقف المسجد، وبجواره 4 أروقة.

يستوقفك أن هذا المسجد الأثري لا توجد به مئذنة حتى الآن! ويرجع ذلك إلى أن الإمكانيات المادية للفاتحين الذين قاموا ببناء المسجد لم تمكّنهم من إقامة مئذنة، وظل إلى اليوم من دون مئذنة حفاظاً على شكله الأصلي.

ومن المساجد التي ينبغي ألا تفوتك زيارتها كذلك مسجد «الباكي»؛ لأنه يزودك بلمحة عن المساجد المعلقة في مصر، إذ إن «الباكي» الذي أنشئ في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي ذو مدخل مرتفع عن مستوى أرضية الطريق ويتم الصعود إليه بسلالم، أما أسفله فتقبع حوانيت موقوفة عدة.

وإذا أردت أن تتعرف على بعض القرارات لبعض الحكام أو النصوص السلطانية قم بزيارة مسجدي «نصر الله» و«أبو النجاة» بفُوَّه، فهناك ستجد التاريخ ماثلاً أمامك عبر المراسيم الرخامية التي تتناول تنظيم بعض الأمور الحياتية مثل منع عادة اجتماعية معينة، أو رفع ظلم من المظالم، إضافةً إلى بعض القرارات التي قد تعكس طرائف التاريخ.

كذلك ستجد هذه المراسيم في مسجد «القنائي»، وهو من أشهر المساجد الأثرية، اذهب إلى شاطئ نهر النيل بالمدينة، حيث يطل المسجد، وهناك ستلفت نظرك مئذنته المرتفعة فهي الأعلى بمنطقة وسط الدلتا، ويبلغ طولها 36 متراً. لكن ذلك ليس فقط المبهر، إذ يصفه المتخصصون بأنه من المساجد الفريدة؛ لتضافر الحضارات فيه، وحين تسأل عن السر وراء ذلك سيجيبك أهل المدينة بفخر بأن فُوَّه كانت عاصمة لمصر في فترة من الفترات الفرعونية، وكان اسمها «واع أمنتى»، وشهدت انتعاشة في العصرين اليوناني والروماني، حتى إنها كانت تسمى «مدينة الأجانب»؛ فقد كانت مقراً لقناصل التجاريين بسبب وجودها أيضاً على فرع رشيد.

السير في شوارع وأزقة فُوَّه يمنحك نوعاً آخر من الأجواء الخاصة التي يندر وجودها في العصر الراهن؛ تلك الأجواء التي تكاد تنقلك في رحلة عبر الزمن إلى دفء البيوت، وعبق التاريخ، حيث المنازل الأثرية متعددة الطوابق والأبواب العتيقة ذات التفاصيل الدقيقة والزخارف البديعة.

ويعود معظم المباني إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وهي مبنية من الطوب المنجور، ومزدانة بزخارف إسلامية ومشربيات وشرفات تتشابه إلى حد كبير مع شرفات منازل مدينة جدة بالمملكة السعودية، ومن اللافت أيضاً وجود تشابه بين أسماء الأسواق والشوارع بين مدينتي فُوَّه وفاس المغربية مثل شارع «الصاغة» و«سوق الديوان».

لكن ليس ذلك فقط ما يمنح بيوت فُوَّه خصوصيتها، فحين تقترب أكثر منها وتتجول بين ناسها أو تتعامل معهم ستأسرك طيبتهم المفرطة وبساطة حديثهم وأفعالهم وترحيبهم الشديد بكل زائر لمدينتهم. هناك مقولة شهيرة متوارثة يرددونها هناك أمام كل زائر، وهي «فُوَّه تحب الغريب»؛ وذلك حتى يزيلوا أي حواجز أو غربة قد يشعر بها السائح.

في فُوَّه مطاعم عديدة معروفة تقدم الأطباق التقليدية من المطبخ المصري، وإذا كنت أكثر جرأة في تجريب الطعام المحلي للبلدان الأخرى، فتوجه إلى أحد مطاعم الفسيخ المنتشرة هناك، والفسيخ أسماك مملحة، يتم تخزينها بطريقة معينة متوارثة منذ الحضارة المصرية القديمة.

أما إذا كنت سعيد الحظ وسافرت مع أحد المصريين ممن له أصدقاء أو أقارب من أهل المكان، فستتناول في منزلهم أطباقاً، بعضها لا يوجد في أي مكان آخر ربما حتى في المدن المصرية؛ فهناك ستتناول طبق «الكبابي» وهو عبارة أرز تم طحنه مع اللحم المفروم والخضرة، تضاف إلى ذلك التوابل، ويتم تحميره. أيضاً تنتظرك طواجن «الدس» المكونة من اللحم أو الطيور والأرز واللبن والبهارات… وبقِطع لحم الضأن المستقرة وسط قطع البطاطس والبصل الحلقات والتوابل ستستمتع بمذاق لا يقاوم لـ«ورقة اللحم» التي تعرف بهذا الاسم؛ لأنها بالفعل تُوضع في ورق سميك وتُطهى داخل الفرن، وبالطبع سيقدم لك الفطير المشلتت الساخن على الإفطار أو العشاء، حيث يبرع كثيرون في إعداده بالطريقة المصرية التقليدية.

نشاطات عديدة تعيدك إلى الحياة البسيطة تنتظرك لتمارسها في فوه، منها الاستمتاع بالسير في المساحات الخضراء، أو أن تركب «الحنطور» (عربة يجرها حصان) على شط النيل. زيارة ورش السجاد والكليم والجوبلان اليدوي تعد واحداً من الأشياء التي يقصدها السياح دوماً عند زيارة فوه، لا سيما إذا كانوا قد سبق لهم اقتناء قطعة منها، إذ يتم تصديرها إلى بعض دول أوروبا وأميركا، وأنصحك بزيارتها ومشاهدة الحرفيين أثناء أداء عملهم الدقيق، وسيحكون لك تفاصيل ومتطلبات الحرفة التي ورثوها عن أجدادهم.

المدهش أنك كلما تجولت في أزقة المدينة ستعثر على كنوز ومقتنيات قديمة نادرة تحكي عن أهلها وتعاملاتهم اليومية، ومن ذلك عند زيارة متجر صغير اسمه «السنهوري» ستتفاجأ بوجود ميزان يعود إلى عصر محمد علي، وصفه الكاتب حمدي حماده بأنه «لا يوجد مثيل له على مستوى الجمهورية».

وقد يصحبك أحد السكان إلى أطلال «مصنع الطرابيش»، وسيحكي لك بثقة وحماس كيف كان ينتج نحو 130 ألف طربوش شهرياً.

إذا قررت التوجه إلى فوه قادماً من العاصمة، فإن الأمر لن يستغرق سوى ساعة وربع الساعة على الأكثر، وهي ميزة مهمة إذا كنت ممن لا يروقه السفر المحلي لمسافات طويلة، إذ تبعد عن القاهرة نحو 181 كيلومتراً، ويمكنك أن تستقل سيارة خاصة، أو تختار إحدى حافلات النقل العام إليها، أما عن الإقامة فأمامك إما أن تختار شقة في إحدى بنايات فوه، وإما أن تنزل في فندق قريب في محافظة كفر الشيخ، وستجد معظم الفنادق يبدأ باسم «دلتا»، وتتراوح الأسعار ما بين 1500 و3500 في الليلة (الدولار يعادل نحو 30 جنيهاً مصرياً).




[ad_2]

Source link

Leave a Reply