[ad_1]
فيما يرى القاص خالد اليوسف، أنه ليس من مهمات كاتب القصة القصيرة والرواية والمسرحية الدخول في دهاليز النصح والإرشاد والعلاج للقضايا الشائكة اجتماعياً، وإن تماس معها في كتاباته! باعتبارها محفزاً للكتابة أحياناً ومستثيرة.
وأضاف اليوسف: ما أعرفه وقرأته ورأيته أن الكاتب يحاول أن يتجرد من كل شيء لأجل كتابته! وأقصد بكل شيء ألا يكون موجهاً أو مرشداً أو معالجاً.. قدر ما يطرح الظواهر والحالات في كتابته، وربما يستفيد من أشكال العنف والتطرف بما أن الكاتب له عالمه الخاص! ويذهب إلى تقصّد كتابات الطرح والعلاج والنقل الواقعي في الرواية والقصة القصيرة والمسرح وكيفية التعامل معه، ما يعني، بحسب اليوسف، حضور مدرستين في التناول. فيما يؤكد الروائي هاني نقشبندي، أن العمل الروائي لا يتبع بوصلة الحاضر بالضرورة أو التوجه السياسي أو المجتمعي السائد في فترة معينة بل هو عمل يخلق واقعاً مستقلاً بذاته يعتمد الجمال فيه على النص أكثر من القصة ذاتها، ويرى نقشبندي، أن الرواية ليست عملاً موجهاً لتقديم النصح أو الإدانة، وليست عملاً يقف مع أو ضد، بل هي نص جمالي، وقصة متخيلة، قد تتماهى مع الحقيقة في موضع ما أو وقت ما لا أكثر، ولا ينفي أن أعمالًا روائية عالمية بدت سياسية الطابع، إلا أنها ليست كذلك في عمقها، كونها تستمد من الواقع فكرة تنطلق منها، وضرب مثلاً برواية همنجواي (لمن تقرع الأجراس) بما تناولته من أحداث وحديث عن الحرب، ومساوئها، وآلامها، إلا أنها لم تُكتب لهذا السبب، بل لأن كاتبها أحب أن يعبر عن مشاعره من خلال الكلمات، وكذا (ثلاثية نجيب محفوظ). وأضاف صاحب (طبطاب الجنة): ليست الرواية بياناً سياسياً يؤيد أو يشجب، بل عمل أدبي إبداعي، ولا يعني ذلك أن الإرهاب لا يفرض الإدانة، لكن ليس من بوابة الرواية؛ لأنها إن فعلت فقدت أهم عناصرها، وهو الخيال. ويذهب المحرر الثقافي نصر المجالي إلى أن الخوض في موضوع السؤال مهمة شاقة في ظل التداعيات المخيفة من التحديات غير المسبوقة للواقع العربي كله، ابتداء من حال التخلف في كثير من المجالات وسباقه الحضاري مع الآخرين من الأمم الحية، وصولاً إلى الحال التي وضعت فيها عنوة جراء موجة العنف والتطرف الذي صار يضرب على غير هدى في كل مجال وميدان، ولفت المجالي إلى أن السرد وجد نفسه في نصف القرن الأخير في مواجهة معاناة متعددة الأوجه والأشكال، شلّته عن تدارك أوضاعه وتطويرها من الداخل، ناهيك عن إشكالية وقيم الجمال والحب والخير. ويرى أن الأعمال الروائية كانت ولا تزال قاصرة عن التصدي للعنف والتطرف قصورها في تطوير نفسها. ودعا كتاب السرد إلى إعادة النظر في كل أحوالها، مخافة أن يطويها الزمن وتصبح ضحية تخاذلها باعتبار أن مهمتها الأساس الحفاظ على عماد الثقافة والتراث الضخم الذي ورثته عبر الأجيال. وقراءة المستقبل والنظر فيه بمنظور جديد ومغاير، وفق ما تمليه عليها المعارف الجديدة التي حصلتها في مسيرتها.
وعدّ الروائي إبراهيم شحبي كل فنون الإبداع مع الجمال والحب والخير، بما فيها الأعمال السردية التي تأخذ في المجمل هذا المنحى إلا أنها تتفاوت بحسب ما يرى في الإفصاح عن التصدي للعنف والتطرف بحسب فكرة كل عمل، ويضع شحبي حدوداً بين الأعمال المعنية بقضايا تاريخية، والتي تُبنى على أفكار واقعية وتناقش قضايا مثل الحرب والسلام والتعايش، ويراها مختلفة عن الأعمال الرومانسية، كون مساحة التعبير عن المشاعر الروحية أوسع. وأضاف شحبي: كل عمل سردي يحمل قيمة جمالية دون شك، ويدعو للحب والخير ولو من خلال الغوص في الأحداث المأساوية واقعية كانت أو متخيلة.
الحرز: للفنون دورها في مواجهة العنف
من جانبه، قال الناقد محمد الحرز: لا أحد في الحياة المعاصرة من مفكرين ومثقفين ومبدعين ينكر أو يتغافل ما للفنون والآداب من دور محوري في مواجهة التطرف والتعصب، حتى أصبح هذا الدور من المقولات المسلّم بها في الثقافة المعاصرة.
واستطرد: لكن ما الذي أدى بها أن تحوز هذه الأهمية في المواجهة تلك؟! سؤالي لا ينطوي على تشكيك، وإنما محاولة مني لإبراز المستند التاريخي الذي اتكأت عليه تلك المقولة، وبالتالي بررت أهميتها في وضعنا الحالي، فأوروبا عاشت صراعاً مريراً بين كفتين: الأولى تعلي من شأن العقلانية الصارمة والأخرى تعلي من شأن المخيلة، وأفضى الصراع إلى أن شق كل منهما طريقه وترسخ في ذاكرة الثقافة الأوروبية، ولولا هذا الترسيخ الذي حمى الذاكرة الجمالية لمدن أوروبا، لرأينا المتاحف والأماكن الأثرية والمسارح التاريخية قد طالها التدمير أثناء الحرب العالمية الثانية.
هذا على مستوى الأثر المكاني ناهيك عن الأثر الجمالي للفنون البصرية والسردية التي ترسخت في تربية الفرد وأنتجت الشخصية التي تنزل الفن والآداب بمنزلة المقدس في الحياة اليومية. بينما حياتنا العربية افتقرت إلى هذا الجانب افتقاراً لا يمكن تلمس نتائجه فقط من خلال ظاهرة التطرف التي أوجدت الإرهاب، بل من خلال أيضا العلاقة الملتبسة التي نعيشها كمجتمعات عربية مع الغرب. وخلص الحرز للقول: الافتقار لا يعني خلو حياتنا من الفنون والآداب، يكفي أن تدير نظرك إلى مصر لتدرك كمية الأعمال الفنية البصرية والسردية الهادفة لمواجهة التطرف والإرهاب. لكن التربية الجمالية المؤثرة في العمق تبدأ من المنشأ (الأسرة والمدرسة)، وهذا ما تفتقر له حياتنا العربية؛ لأن الدولة الوطنية عندما تبنت مشروع الحداثة أسقطت من حساباتها جانب التربية من هذا المشروع.
[ad_2]
Source link