[ad_1]
ملحم بركات في عيون صديق العمر ودموعه
الشاعر نزار فرنسيس يستحضر الموسيقار في الذكرى السادسة لرحيله
الخميس – 2 شهر ربيع الثاني 1444 هـ – 27 أكتوبر 2022 مـ
الموسيقار ملحم بركات والشاعر نزار فرنسيس
بيروت: كريستين حبيب
لا يحضر اسم ملحم بركات على لسان نزار فرنسيس من دون أن تلمع دمعة في عينه. بعضٌ من روحه رحل إلى غير رجعة، في ذلك اليوم الذي ودّع فيه الموسيقار كل ما هو أرضي وارتفع إلى مسارح أخرى.
في بيت الشاعر تشهد الروزنامة التي توقفت عند تاريخ 28 أكتوبر (تشرين الأول) 2016 على توقّف أحد عقارب ساعة فرنسيس إلى الأبد.
منذ أول «آلو» بين الرجلَين عام 1996، وحتى آخر أنفاس بركات بعد عقدَين، لم تكن العلاقة بينهما علاقة مطرب بكاتب أغنية. كما تآلفت كلمة نزار مع لحن ملحم وصوتِه، كذلك فعلت روحاهما فتحوّلا صديقَين مدى العمر وما بعدَه.
لم تعكّر أي خلافات جوهريّة صفو تلك الصداقة، التي صارت أمتَن وأعمق يوم وقف بركات في وجه فرنسيس معترفاً: «ما عندي غيرك». بغصّة يروي الشاعر اللبناني لـ«الشرق الأوسط» تلك الحكاية: «كنت منشغلاً في أحد الأيام فغبتُ عن سمَع ملحم. حاول الاتصال بي كثيراً وسأل الأصدقاء عني، لكني كنت في الاستوديو. وعندما عدت إلى البيت وجدتُه ينتظرني في سيارته أمام المدخل. اعتذرت وقلت له إنني كنت منشغلاً بتحضير أغانٍ لفلان وفلانة وفلان من الفنانين، فأجابني قائلاً: أنت عندك هودي كلّن، وأنا ما عندي غيرك».
لا ينسى فرنسيس تلك الجملة التي يقول إن بركات غلبَه بها، فبقيت محفورة في وجدانه: «منذ تلك اللحظة تعاملتُ معه على أساس أنه ما عنده غيري».
عاش بركات وحدته بإيجابية فهو اختارها بملء إرادته، وعلى عكس معظم أغانيه التي حاكَها بخيوط الشجن، كان شخصاً مرِحاً. يقول فرنسيس عن هذه الناحية من شخصيته: «حتى في مجالس العزاء، كان يُضحكنا. كرهَ الحزن والوجوه العابسة. لا ينتمي ملحم بركات للناس الكئيبة. حتى في الجنازات كان يخترع نكتة ليُضحك مَن حوله».
تحلّ ذكرى الرحيل السادسة ثقيلة على نزار فرنسيس الذي تمرّ أيامه ناقصة من ملحم بركات، حسبما يقول. «عملاق مثل ملحم بركات لا نتذكّره يوماً في السنة فحسب. هو مبدع وأضاف إلى هذه الدنيا. أغانيه لا تموت وهو يُستحضر من خلالها ويُخلَّد عبرها كل يوم».
يعود فرنسيس إلى أول أغنية جمعتهما وهي «كيفك يا غرامي»، التي شكّلت باكورة مجموعة كبيرة من الأعمال التي كتبها لـ«أبو مجد» على مدى 20 سنة. بعد الأغنية الأولى، جاءت إحدى روائع بركات «تعا ننسى» التي ألّفاها خلال ثلث ساعة، على ما يروي فرنسيس. فهُما كانا يعملان على اللحن والكلام بالتوازي، أي أنهما لم يعتمدا الطريقة التقليدية التي تقتضي تلحين كلامٍ جاهز. بل على العكس، إذ غالباً ما كان فرنسيس يلحق بنغمات بركات المتدفّقة ويُلبسُها الشعر اللائق بها.
كانت «تعا ننسى» علامة فارقة في مسيرة بركات، وهو لم يفوّت حفلة أو إطلالة تلفزيونية إلا وردّدها خلالها. راق للموسيقار لعبُ الشاعر بالكلام اللبناني البسيط وتَمكّنُه من القصيدة الرومانسية، فكرّت سبحة الأغاني، مثل «ظهور القمر» و«الفرق ما بينك وبيني» و«جيت بوقتك» و«عدّ الأيام» التي قدّمها بركات ضمن مهرجانات بعلبك، في مشهديّة لا تغيب عن بال فرنسيس.
لا تُعَدّ الأيام الحلوة التي أمضاها الصديقان، ليس في جلسات التأليف واستوديوهات التسجيل فحسب، بل في رحلات الصيد التي اعتزلها فرنسيس منذ أضاع رفيقه. يسترجع آخر أيام ملحم في المستشفى التي يصفها بأصعب أيام حياته قائلاً: «كان رحيله خاطفاً مع أنني كنت أعرف أنه في آخر مراحل المرض. قبل يومَين من وفاته كنت عنده في غرفة العناية الفائقة فقال لي: أنا فالل… طلب مني ومن الأصدقاء أن ننتبه إلى بعضنا وذهب. أما أنا فمنذ ذلك النهار، لم أذهب إلى الصيد».
«ولا طير بيشبهك» هي من الأغاني الأحبّ إلى قلب ملحم بركات، حسبما يخبر فرنسيس. ومن الأعمال التي أثّرت فيه كثيراً، أغنية «اعتزلت الغرام» التي لحّنها للفنانة ماجدة الرومي. «كان يبكي كلما سمع أو غنّى لازمة الأغنية»، يقول الشاعر. فتحتَ طبقة القسوة والعصبيّة، كان يخبّئ ملحم بركات قلب طفل. هو ذاك القلب الذي أبصره نزار فرنسيس منذ الجلسة الأولى، فاستطاع بعد ذلك أن يخترق كل جدران ملحم بركات، مهما كانت سميكة: «رأى فيه الناس نفحة الجنون والمزاجية، فهو كان متسرّعاً إلى حدّ العدائية أحياناً. أما أنا فعرفتُ أين تكمن حقيقته. لم يصل إلى قلبه سوى قلّة قليلة، وقلبه قلب طفل صغير بعفويّته وشفافيته».
عندما يُسأل عن المفاتيح التي استخدمها ليفتح بها قلب بركات، يجيب فرنسيس: «برهنتُ له أنني أفهمه وأعرف عمقه الطيّب والمجنون في آنٍ معاً. قرأت جنونه صح. أحببتُ الصورة التي رسمها لنفسه وأحببت حقيقته أيضاً».
يستذكر الشاعر كذلك إحدى الصفات التي باتت نادرة حالياً، وهي الشهامة والفروسيّة التي كان يتحلّى بها «أبو مجد». فهو على سبيل المثال لم يكن يوقّع عقوداً مع متعهدي الحفلات أو مع إدارات التلفزيونات. «وعوده كانت شفهية»، يقول فرنسيس ويضيف: «لم يكن يؤمن بالأوراق والتواقيع. كلمته كانت التزاماً. لا يغدر ولا يخون. أما إذا حدث أن اشتكى متعهد ما من غلّة حفلة لم تأتِ على قدر التوقعات، فكان يترك ملحم للمتعهد أجرَه الخاص ولا يطلب شيئاً لنفسه».
قبل 5 أشهر على رحيله، وضع ملحم بركات لحناً لجنازته من دون أن يعرف أنّ موعدَها كان قد بات قريباً. وعندما فاتحَ صديقَه نزار بالأمر، أصرّ الأخير على تحويل اللحن إلى أغنية تحتفي بالحب لا بالموت. غير أن «كرمال النسيان» لم تصدر إلا بعد وفاة بركات، فكانت أغنيته الأخيرة.
يتحدث فرنسيس عن 4 أغانٍ جديدة جاهزة للإصدار بصوت ملحم بركات، ما إن يمنح الورثة الضوء الأخضر لذلك. وفي الانتظار، يتوجّه إلى صديق العمر واصفاً إياه بـ«آخر طير في سرب العظماء»، وقائلاً له إن مكانه في قلبه ما زال خالياً، وإن لا أحد يستطيع ملأه لا فنياً ولا إنسانياً. ثم يستعير جملة من إحدى الأغاني التي لم تصدر بعد ويرسلها له: «ما رح أنساك مهما تقسى هالدني، قلبي ع الوعد والسنة تخبّر سنة».
[ad_2]
Source link