غسان سلامة: نعيش في عالم معتل… بحاجة إلى مقاربة أميركية جديدة

غسان سلامة: نعيش في عالم معتل… بحاجة إلى مقاربة أميركية جديدة

[ad_1]

غسان سلامة: نعيش في عالم معتل… بحاجة إلى مقاربة أميركية جديدة

أحداث العالم بعد {كورونا} المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا ووزير الثقافة اللبناني الأسبق قرأ في حديث لـ «الشرق الأوسط»


الخميس – 10 جمادى الأولى 1442 هـ – 24 ديسمبر 2020 مـ رقم العدد [
15367]


غسان سلامة (الشرق الأوسط)

لندن: إبراهيم حميدي

لوزير الثقافة اللبناني الأسبق، وأستاذ العلاقات الدولية، والمبعوث الأممي غسان سلامة، قراءة للوضع الدولي الراهن خصّ بها «الشرق الأوسط». وهو يرى أن جائحة «كورونا» بتداعياتها على السياسة والاقتصاد كما على حياتنا اليومية، هي «الحدث الوحيد الطاغي، ما يجعل الأحداث الأخرى التي قد تشغلنا، مجرد تزويق هامشي». ويقول: «إننا نعيش وسط عالم معتلّ بالمعنى الحرفي للكلمة كما في معناها المجازي، إذ تتزامن الجائحة مع وهن واعتلال شديدين في النظام الدولي، بحيث أدى انتشارها إلى تسريع عدد من التحولات في العلاقات الدولية، التي كانت قد بدأت. كما أنها أطلقت بذاتها تعديلات أخرى على ذلك النظام لا سيما فيما يتعلق بالعلاقة بين الصين والولايات المتحدة».
ويضيف: «الجائحة كشفت الكسل الواسع في الغرب الذي كان قد بدأ يلمس مشكلته التجارية والمالية مع الصين وبات اليوم مضطراً للإقرار بأن لديه معها مشكلة جيوسياسية أيضاً»، لكنّ سلامة يتجنب وصف تلك العلاقة الجديدة بـ«الحرب الباردة» لاعتقاده بوجود «فروقات هائلة بين العلاقة التي كانت قائمة بين الغرب والاتحاد السوفياتي والعلاقة القائمة اليوم بينه وبين الصين».
وهو يرى أن الجائحة شكّلت «تحدياً حقيقياً» للأنظمة الديمقراطية حول العالم، لأن مكافحة الوباء دفعت بالضرورة إلى «فرض المزيد والمزيد من القيود على الحريات الفردية في الوقت الذي تقوم فيه تلك الأنظمة على مبدأ أولوية تلك الحريات». لكنّ الذهاب من هنا إلى الاستنتاج بأن «الدول التسلطية أكثر فاعلية من منافساتها الديمقراطية أو أنها تتفوق عليها في مجالات التنمية والصحة» هو، بالنسبة إلى سلامة، «حكم سابق لأوانه، والأرجح أنه خاطئ».
وعن الولايات المتحدة، يرى سلامة أن إدارة الرئيس دونالد ترمب السيئة للجائحة كان لها «الدور الأكبر» في تحديد نتائج الانتخابات. وأبدى «تخوفاً» من أن تكون إدارة جو بايدن «مجرد فصل ثالث في كتاب قرأناه وأدركنا جميعاً حدوده وأخطاءه»، في إشارة إلى إدارتَي بيل كلنتون وباراك أوباما.
وهنا نص الحديث الذي أجرته «الشرق الأوسط» هاتفياً أول من أمس، وتناول المشهد الدولي والأمم المتحدة وأوضاع العالم العربي:

> لا تزال المعركة مع «كورونا» مستمرة، وهناك سلالة جديدة مع انطلاق عملية اللقاح. هل يمكن الحديث عن العالم وخلاصات معينة بعد الجائحة؟
– أعتقد أننا نعيش في عالم معتلٍّ ومريض، بالمعنى الحرفي والمجازي. بالمعنى الحرفي أننا نعيش وسط جائحة غير مسبوقة. في المعنى المجازي أن النظام العالمي الذي نعيش في ظله أيضاً معتلٌّ. وكل أملي أن يكون العام المقبل عام المعافاة. لكن الاعتلال متعدد الأوجه عميقٌ لدرجة، إذ إنه لو بدأنا مرحلة المعافاة قريباً فإن ذلك سيأخذ سنوات قبل أن نتعافى تماماً.
العالم معتل بطريقة غير مجازية. هناك مسالك فردية للنظر إلى الجائحة. هناك من يريد تناسيها، وهناك مَن هو مشغول البال بها في كل لحظة وحركة من حياته. لكن دون أي شك أنها أثرت، أولاً، على حياتنا اليومية والحياة اليومية لعموم البشرية (من اقتصاد وتعليم ومجتمع).
> هناك من يعتقد أن صعود الصين كان مطروحاً وجاء الوباء وعجّل الموضوع. الأمر الآخر، أن الجائحة طرحت أسئلة عن نجاعة الأنظمة الديمقراطية خصوصاً أن الصين حاولت الترويج لنموذجها بوصفه الأفضل؟
– النقطتان في غاية الأهمية. الموضوع الصيني مطروح منذ فترة، لذلك يجب طرحه بهدوء. إنه بلد بدأ بالتحول بسرعة فائقة قبل ثلاثين سنة وتمكن خلال ثلاثة عقود من إخراج مئات الملايين من الصينيين من تحت خط الفقر وتحول إلى سوق كبيرة، والأهم إلى مصنع العالم. كان هذا يحصل كأن الصين والدول التي تتعامل معها وضعت العوامل الجيوسياسية جانباً لأنها غير مطروحة. منذ خمس أو ست سنوات، بدأ الاهتمام بالإنفاق العسكري الصيني، ووجدنا من يقول إن تعافي الصين اقتصادي؛ لأن الصين كانت اقتصاداً هائلاً في مطلع القرن التاسع عشر، وما حصل هي عودة إلى وضع الصين العالمي وهي ليست المرة الأولى.
العودة الصينية التي تمت بسرعة وضعت الموضوع الجيوسياسي بين هلالين. ومنذ سنوات، بدأ بعض المراقبين يسألون: هل أنتم منتبهون للإنفاق العسكري الصيني؟ هل انتبهتم إلى أنها أنتجت أول حاملة طائرات؟ بدأت بزرع جزر صناعية قادرة على تحويلها إلى قواعد عسكرية بسرعة؟ أنا أضيف: هل انتبهتم إلى أنّ حرباً حصلت بين الصين والهند لأول مرة منذ عقود؟ ثم هل انتبهتم إلى أن الصين تصرفت للمرة الأولى بقبضة من حديد في هونغ كونغ والنزعات الديمقراطية؟
بدأ التعامل مع صعود الصين الجيوسياسي قبل الجائحة. الجائحة جاءت لتعطي حججاً ديماغوجية لدى حديث الرئيس دونالد ترمب عن «الوباء الصيني». استعمل هذا تماماً في وقت كانت أميركا تدخل في مفاوضات تجارية في غاية الأهمية مع الصين لأن هناك شيئين مختلفين: الأول، شعور الغرب بأن حركة العولمة التي استفاد منها الغرب لفترة من الزمن بدأت تصبح أكثر إفادة للدول الأخرى من الغرب. بالتالي، بدأ التيارات تنشأ في دول الغرب ولم يكن أحد يجرؤ على طرحها. جاء الرئيس ترمب وقال إنه يريد إعادة النظر بالعلاقات التجارية مع الصين لأنها تستفيد من العولمة أكثر مما نستفيد نحن.
هناك عنصر أول يخص نظرة الغرب إلى العولمة من إيجابية جداً إلى سلبية خلال السنوات التي سبقت الجائحة. جاءت الجائحة وتفوقُ الصين في إرسال المعدات الطبية ومعالجةُ ووهان، لتثبت مرة أخرى أن العولمة تسمح للصين بتعزيز صورتها وسطوتها في النظام العالمي بطريقة لم يعد الغرب قادراً عليها. الغرب الذي يرى أن حصة أميركا من الاقتصاد العالمي انتقلت من 45% في 1945 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية إلى نحو 17% اليوم. ديمغرافياً، نسبة الرجل الأبيض، تراجعت من نحو 30% في مطلع القرن العشرين إلى أقل من 17% اليوم. إذن، هناك شعور بأن العولمة سمحت للشركات الغربية بأن تخفض من كُلفة الإنتاج من خلال نقل الإنتاج إلى الصين وآسيا، وأنعشت الشركات وفتحت سوقاً جديدة للمنتجات الغربية هي السوق الصينية، لكن العولمة لها ثمن بدأ يصبح أكثر من الفوائد التي جناها الغرب من العولمة.
> ثم جاءت الجائحة وأظهرت ذلك؟
– أسّست الجائحة مفهوماً جديداً وهو مفهوم السيادة الصحية، بمعنى أن الدول المتقدمة اكتشفت أنها كانت قد انزلقت بسبب منطق العولمة وتقليص الكلفة إلى التخلي عن إنتاجها الذاتي من الأدوية. من أصل أول دزينة لقاحات ضد «كورونا»، خمسة كانت صينية، وهذا إنجاز كبير سيزداد وهجه مع اعتماد عشرات الدول على اللقاحات الصينية بالنظر إلى سعرها البسيط. فرنسا مثلاً، اكتشفت فجأة أن لا إنتاج للكمامات بقي عندها وأن حبة «بانادول» تأتيها من الهند. هذا سيتغير بعد الجائحة لأن الدول ستعيد النظر في معطيات العولمة وفي انكشاف الضعف الذي أصابها.
> نظرة جديدة إلى الصين…
– الجانب العسكري، بدأ يتطور من أن المسألة هنا جيوسياسية. كان هناك كسل فكري في الغرب. لدينا مشكلة جيوسياسية وعسكرية مع روسيا ولدينا مشكلة تجارية مع الصين. حالياً، بدأ اكتشاف أن هناك مشكلة جيوسياسية وتجارية مع الصين. لذلك، فإن تعبير «الحرب الباردة» بين الصين والغرب، ليس ناجحاً.
> لماذا؟
– «الحرب الباردة» بين الاتحاد السوفياتي والغرب كانت قائمة على الاكتفاء الذاتي في كل شيء: الإنتاج العسكري والثقافي والاقتصادي. كان التبادل التجاري بين أميركا والاتحاد السوفياتي نحو 50 مليون دولار أميركي في السنة. الآن، هناك مشكلة جيوسياسية مع دولة اسمها الصين، لكن هناك توأمة صناعية وتجارية. تبادل تجاري هائل… هذا فارق جوهري في العلاقة بين الصين والغرب اليوم، والعلاقة بين الغرب والكتلة الشرقية خلال «الحرب الباردة» التي كانت قائمة على إدارة الظهر كلٌّ للآخر. لم يكن هناك تبادل أو شيء، لكن حالياً التبادل هائل ومتعدد الأوجه. هناك مئات الآلاف من الطلاب الصينيين في الجامعات الأميركية. هناك شركات غربية تموت في حال انقطع التواصل مع الصين.
ليست «حرباً باردة»
> ما المصطلح البديل لـ«الحرب الباردة» بين الصين والغرب؟
– ليست حرباً باردة. تتحول تدريجياً إلى علاقة متوترة تحتاج إلى صيانة يومية من الطرفين وفصل الأمور كي لا تتداخل وتتحول إلى صراع دموي.
> كيف يكون ذلك؟
– أن نقول إن هناك مشكلة اسمها الجائحة بدأت في الصين وعالجتها الصين ولقاحات. يجب فصل هذا الموضوع عن العلاقة التجارية أو سعر صرف اليوان أو سلوك الصين العسكري في بحر الصين أو العلاقة مع الهند أو هونغ كونغ. العلاقة متشعبة مع الصين، ما يجعل جمع كل الأمور معاً يؤدي إلى كارثة. لذلك، فإن المرحلة المقبلة، ستشهد بالضرورة في حال ذهبنا إلى التعافي، نوعاً من الفصل بين المسارات. جمع المسارات سيجعلها في مستوى عالٍ من التوتر. إذا فُصلت المسارات يمكن أن تتفاوض الصين مع الغرب في كلٍّ من هذه المسارات على حِدة. جمع المسارات كما كان يقوم به وزير الخارجية الأميركية الأسبق هنري كسينجر مع الاتحاد السوفياتي، مسيء وغير مفيد في الحالة الصينية.
> ماذا عن الفرق بين الدول الديمقراطية والدولة الشمولية؟ هل غير الوباء وصعود الشعبوية في النظرة إلى النموذجين؟
– حصل أمر ذو بعد تاريخي خطر في تسعينات القرن الماضي. للمرة الأولى في تاريخ البشرية، كان هناك أكثر من نصف دول العالم وأكثر من نصف مواطني العالم انتقلوا من الأنظمة التسلطية إلى الأنظمة الديمقراطية. لكن لاحظنا أنه في مطلع القرن الحادي والعشرين، حصل نوع من التراجع التدرجي، له شكلان مختلفان: أولاً، عدد الدول التي انتقلت إلى الديمقراطية عاد إلى الانحسار. رأينا دولاً تعود إليها الانقلابات العسكرية أو أنظمة تسلطية بوسائل انتخابية. الآخر، نمو الشعبوية في الأنظمة الديمقراطية التي تغيّر من نوعية، ليس العدد فقط، ولكن الحياة الديمقراطية من خلال قمع الحريات وتراجع السلطات التشريعية وانتخابات من خارج النوادي السياسية من رجال أعمال، ومن خلال تغير وسائل التواصل الاجتماعي ومخاطبة الناس دون المرور عبر المؤسسات الوسيطة مثل البرلمانات والنقابات والأحزاب. حلّت بدلاً منها إمكانية تحدث القادة مباشرةً مع الناس، ما شجّع الشعبوية. حصلت ثروة تكنولوجية سمحت للشعبوية بالدخول في صلب الحياة الديمقراطية في عدد من البلدان وصلت إلى درجات عالية مثل هنغاريا أو أميركا أو البرازيل.
الثورة السيبرانية سمحت بانتشار الشعبوية ولكنها أيضاً سمحت بالتدخل المفرط من دول في شؤون أخرى. من الواضح أننا سنشهد مزيداً من الحروب السيبرانية في الأشهر والسنوات المقبلة، وهي ستزيد من التوتر في علاقات الدول العظمى كما ستُضعف علاقات الثقة بين قادة العالم.
> هل يمكن الحديث عن مرض الدول الديمقراطية؟
– هناك تراجع عددي وفي نوعية الحياة الديمقراطية. لكن، هل هذا يعني أن الدول الديمقراطية عاجزة عن معالجة ظواهر مثل الجائحة والدول التسلطية قادرة على ذلك؟ لست متأكداً من الجواب. ما أراه أن الدول الآسيوية، مهما كان نظامها، كانت أفعل، مثل كوريا الجنوبية وفيتنام ولاوس وتايوان. أنظمتها السياسية ليست مثل الصين، لكنها تمكنت من معالجة موضوع الجائحة بطريقة أفضل من الدول الديمقراطية.
> أين المشكلة، إذن؟
– المشكلة أن الجائحة تفرض بالضرورة على الحكومات، مثل بريطانيا أو فرنسا أو إيطاليا، أن تمس بالحريات العامة وأن تفرض قيوداً عليها، بينما الفلسفة التي تقوم عليها الدول الديمقراطية هي الحريات. إذن، وجدت الدول الديمقراطية نوعاً من التناقض، لكنني أعتقد أن هذه الدول قادرة على العودة إلى مستوى من الحريات والديمقراطية إذا مرّت الجائحة بخير ولم تبقَ آثارها بعيدة المدى. إذن، استخراج الخلاصة أن الدول التسلطية قادرة أكثر، أمرٌ مبالَغٌ به ومتسرع وسابق لأوانه. لكن، كان هناك أيضاً جدل قبل الجائحة حول المقارنة بين الدول التسلطية والدول الديمقراطية في دفع التنمية الاجتماعية والاقتصادية. كانت الصين تقول إن النظام الذي اختارته (الرأسمالية مع الحزب الواحد)، هو الأفضل للتنمية، عندما قارنت نفسها مع روسيا التي اختارت شيئاً من الديمقراطية وشيئاً من الرأسمالية. الصين فكّكت اقتصاد النظام الموجّه، لكن لم تفكّك الحزب الواحد. الجدل كان وتجدد الآن لأن الدول التسلطية قادرة على فرض قيود على الحريات بسهولة لأنها تفرض دائماً قيوداً على الحريات. في المقابل، فإن الدول الديمقراطية عندما تفرض قيوداً على الحريات تخرج عن المبدأ الذي قامت عليه.
لكنّ الديمقراطية ثقافة، وستجد في المرحلة المقبلة مَن يطالب بشدة حكومات بريطانيا وفرنسا وإيطاليا بأن تعود عن القرارات التي اتخذتها لمواجهة الجائحة بوصفها مرحلة استثنائية. أي، فاصل بالزمن وليس خياراً ثابتاً. سيكون هذا هو الجدل الأساسي في الدول الغربية خلال السنوات المقبلة: متى، وبأي سرعة تعود الديمقراطيات إلى ما كانت عليه أو تُبقي على القيود التي اضطرت إلى فرضها لمواجهة الجائحة؟
«فصل جديد»… في كتاب
> ماذا عن أميركا… كيف أثّر الوباء عليها وعلى دورها؟
– أعتقد أن نتيجة الانتخابات الأميركية قررتها الجائحة. لم تقررها بسبب حصولها، لكن إلى حدٍّ كبير بسبب سوء تعامل الرئيس ترمب معها، مثل أن يقول لبوب وودورد إنه تقصّد القول للأميركيين في أبريل (نيسان) إن هذا الوباء ليس خطراً وإن الحياة ستعود إلى طبيعتها، ثم «سيَّس» موضوع الكمامة بحيث أصبحت كأنها عَلم، يحمله «الديمقراطي» ولا يحمله «الجمهوري» ليقول إنه «جمهوري». ثم السماح بتجمعات واسعة دون كمامات. هناك سوء إدارة من ترمب لهذه الجائحة كلّفته الانتخابات. الفارق بينه وبين جو بايدن كان نحو ستة ملايين ناخب، لكنّ الفارق في الولايات المحورية ليس كبيراً. سوء إدارته (ترمب) للجائحة لعب دوراً في خسارته. هذا يعطي درساً مهماً. تعلّمنا وعلمنا أن الأشخاص أدوارهم في مجرى التاريخ هامشي. هناك قوى لها دور في التاريخ وليس الأفراد. في هذه الحال، سلوك ترمب الفردي نقيض ذلك. لو تصرف بطريقة مختلفة، لكانت حظوظه شبه مؤمَّنة لإعادة انتخابه. بايدن لم يكن قوياً في الانتخابات التمهيدية في «الحزب الديمقراطي». كانت الانتخابات مع أو ضد ترمب…
> ماذا عن قولك إن بايدن هو الفصل الثالث في كتاب قرأناه؟
– عندما جاءت إدارة بايدن، كان هناك بعض الأسماء الجديدة. لكن معظم الأشخاص الذي جاء بهم بايدن إلى إدارته هم أشخاص ألفناهم مرتين في إدارة بيل كلينتون وإدارة باراك أوباما. عددهم كبير جداً في إدارة بايدن. سألت وأسأل حتى اليوم: هناك إدارتان «ديمقراطيتان» بعد «الحرب البادرة»، إدارة كلينتون وأوباما… والآن، هناك إدارة بايدن، هل هي فصل ثالث من كتاب قرأنا فصلين منه وعرفناهما؟ هل سيتمكن بايدن من إعادة النظر في عدد كبير من الأخطاء التي شهدناها أيام كلينتون وأوباما؟
> أي أخطاء؟
– تعامُل كلينتون مع الاتحاد السوفياتي وبوريس يلتسين، باحتقار شديد. وكيف فشل في بناء علاقة ثقة مع روسيا الجديدة، ولا نزال ندفع ثمنها حتى اليوم. هناك في روسيا نوع من الغضب الحقيقي من الطريقة التي تعامل بها الغرب -خصوصاً الولايات المتحدة- مع روسيا بعد انتهاء الاتحاد السوفياتي، ندفع ثمنه يومياً في مجلس الأمن. دفعت ثمنه في ليبيا وندفع ثمنه في سوريا وأماكن أخرى. هل الإدارة الديمقراطية الجديدة، راجعت هذا الخطأ التاريخي في تسعينات القرن الماضي أم أنها تعود دون أن تكون تمت المراجعة؟
أيضاً بالنسبة إلى الصين والتدخل والحروب في العراق في 2003 أو ليبيا في 2011، هل هناك مَن جلس في أميركا في السنوات الأربع الماضية وقال: إذا عدت إلى السلطة فإنني لن أقدم على الأخطاء التي حصلت في الإدارتين «الديمقراطيتين» السابقين؟ هذا هو السؤال الأول لبايدن.
> السؤال الثاني؟
– هل أنا علمت أن العالم تغير وأننا لم نعد في عام 1990 ولم تعد الولايات المتحدة القائدة أو الزعيمة الوحيدة للنظام العالمي؟ هناك دول كثيرة بدأت تتدخل في شؤون جيرانها. هناك دول وسطى تعمل يومياً بالعمل العسكري: تركيا منخرطة في أربع حروب. إيران أيضاً… الآن، القول بأن الولايات المتحدة كان لها دور الريادة في الحرب العالمية الثانية، حصل فاصل قصير خلال ترمب، وستعود الأمور إلى وضعها السابق، أمر في غاية الخطورة. هل هناك في هذه الإدارة مَن أجرى المراجعة، وهل هناك في هذه الإدارة من أعاد قراءة وضع أميركا في العالم الذي تغيّر بصورة كبيرة ليس بسبب شخصية ترمب، بل لأن النظام العالمي كله تغير، ومن السذاجة بمكان وضع اللوم فقط على ترمب؟
عندما تنظر في جوهر الأمور، كان هناك جانب إشكالي في شخصية ترمب، مثل التغريدات وإقالة المسؤولين فجأة والتبدل في الوظائف والهجمات اللفظية يميناً ويساراً، لكنّ هذه الشخصية عادت وتمكنت من الحصول على 60 مليون صوت في أميركا. له قاعدة شعبية حقيقية. هذه الشخصية حاولت الوصول إلى شيء ما مع كوريا الشمالية وفتحت الملف التجاري مع الصين، ولم تفتح حرباً جديدة في العالم. أخاف أن تكون الإدارة الجديدة تقول: كان هناك فاصل لأربع سنوات وسنعود إلى الوضع السابق، مثل اتفاق المناخ ومنظمة الصحة والاتفاق النووي مع إيران…
أوروبا ليست ضعيفة
> ماذا عن أوروبا: هناك بدء تطبيق اتفاق «بريكست»، الشعبوية، الهجرة، الإرهاب. أوروبا وسط كل هذه التحديات؟
– لِنقُلْ الأمور بطرق مختلفة: مَن كان يراهن على أن نجاح مؤيدي «بريكست» في بريطانيا سيؤدي إلى تفكك الاتحاد الأوروبي، فشل رهانه. هناك أدلة كثيرة على ذلك. أولاً، لم تخرج دول أخرى من الاتحاد، بل هناك دول لا تزال مرشحة للدخول إلى الاتحاد. هناك حجة أخرى، أن الاتحاد الأوروبي، للمرة الأولى، قبلت ألمانيا بما تطالب به فرنسا وإسبانيا وغيرها، أن يستدين الاتحاد الأوروبي لمعالجة الجائحة اقتصادياً على مستوى الاتحاد. هذا جديد يحصل للمرة الأولى. أي إن الجائحة كانت دافعاً لتوطيد القوة المالية للاتحاد بدل ضعضعتها. ثالثاً، حتى في بريطانيا، فإن مؤيدي الخروج لم يزيدوا بل نقص عددهم، حسب الإحصاءات.
إذن، الاتحاد الأوروبي نجح، رغم هول الجائحة، في المرحلة الأولى من «كورونا». الآن، لديه تحدٍّ جديد، أن قرارات في الاتحاد تُتخَذ بالإجماع. قرارات الإجماع تتطلب توافقاً حقيقياً على الأشياء الأساسية وتماثلاً في الأنظمة السياسية. إذا ذهب بعض الدول نحو مزيد من الشعبوية وتقييد الحريات، كما حصل في هنغاريا وبولندا، فإن قاعدة الإجماع في الاتحاد ستعطِّل عمل الاتحاد دون أي شك. كاد هذا يحصل قبل أيام لولا أنه عولج في اللحظة الأخيرة، حيث كاد ينهار مشروع اقتصاد الاتحاد الأوروبي بسبب بولندا وهنغاريا. إذن، أنت بحاجة في أندية مثل الاتحاد الأوروبي، إلى أن تكون الدول بعضها يشبه بعضاً في الأنظمة ومتفقة على الأساسيات. إلى أي مدى يمكن الحفاظ على ذلك؟
> ماذا عن العلاقة الأوروبية مع أميركا؟
– هناك تحول أوروبي ضد الصين باتجاه أكثر عدائية مما كان قبل الجائحة. كان هناك موقف أميركي عدائي وحرب تجارية مع الصين، لكنّ أوروبا لم تكن مستعدة لذلك. الآن، من خلال زيارتي الأخيرة لألمانيا والتحول في كلام الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، هناك تخوف من تحول القدرات المالية والاقتصادية الصينية إلى قدرات جيوسياسية. وبالتالي، هناك تأفف شديد من شراء الصين ميناءين في اليونان وفي الجزائر. لم يكن هذا موجوداً في السابق. بدأ يظهر في أميركا، وكان الأميركيون منشغلين بالإفادة من السوق الصينية ويعطونها الأهمية القصوى. أصبح الآن هناك تشابه بين أوروبا وأميركا في الموقف من الصين. وربما، تصويت البرلمان الأوروبي الخاص بالإيغور (في الصين) مؤشر كبير على هذا التقارب في الموقف من الصين.
> الموقف من روسيا مختلف؟
– لدى ماكرون رغبة حقيقية في بناء علاقة استراتيجية مع روسيا. أعلن عنها في سبتمبر (أيلول) 2018، لكن لم يتحقق منها الكثير. هناك أيضاً، خط الغاز الذي تبنيه ألمانيا مع روسيا والذي تعارضه أميركا. وهو موضوع جدل. قد يكون في إدارة بايدن مجالات للاختلاف حول الموقف من روسيا، بينما هناك تقارب في الموقف من الصين.


لبنان


فيروس كورونا الجديد



[ad_2]

Source link

Leave a Reply