عرفت منطقة جازان الحالية في العهد الجاهلي ثم الإسلامي حتى العصر الحديث بكونها مخلافا والمِخْلاف هو الكَوْة والكورة كل صُقع يشتمل على عدة قرى لها قصبة أو مدينة أو نهر؛ يجمع باسمه تلك القرى. وعن إشتقاقه يقول ياقوت الحموي (ت 626 هـ): لم أسمع في اشتقاقه شيئاً، لكنه يؤكد أن التسمية ناتجة عن تخلف القبائل في بعض النواحي واستقرارهم بها. فإذا استقرت القبيلة في ناحية ما سموها مخلافاً لتخلفها في تلك الناحية، وسموا المخلاف باسم أب تلك القبيلة. جاء في حديث معاذ: (من تحول من خلاف إلى مخلاف فعُشره وصدقته إلى مخلاف عشيرته الأول، وإذا حال عليه الحول). وعليه فالمخلاف كلمة تطلق على المنطقة المتعددة القرى يجمع بينها في الغالب مدينة تكون مرجعاً ويكون اسمها جامعاً لتلك القرى. كما يكون معناه أيضاً: المنطقة أو الناحية التي تخلفت بها قبيلة ما، ولتخلفها واستقرارها بها، عرفت تلك المنطقة أو الناحية بالمخلاف وسمي المخلاف أب تلك القبيلة: كمخلاف حَكَم ومخلاف هَمَدان. والمخلاف تسمية مألوفة في جنوب الجزيرة العربية وتهامة واليمامة، بل وفي البصرة والكوفة أيضاً. وأشهر تلك الأسماء هي:[6]

مخلاف حَكَم

هو نسبه إلى قبيلة الحكم بن سعد العشيرة إحدى قبائل مذحج، وقاعدته مدينة الخصُوف على عدوة وادي خُلب ‘ والشَّرجة ساحله (مرساه). وملوكه من حكم آل عبد الجدَ في الجاهلية ثم الإسلام. حدوده: يمتد هذا المخلاف من وادي صبياء شمالاً إلى أودية عبس جنوباً. قال الهمداني (ت بعد 344 هـ) وهو يعدد أودية تهامة: «يتلوه (أي وادي مور) وادايا بني عبس من حكم، ووادي حيران وخذلان» وهذه الأودية جنوب حرض، ضمن أراضي الجمهورية اليمنية حالياً. وبذلك فإن الحدود القديمة لمخلاف حكم تجاوزت حرض أو (الشرجة) لتشمل عبس.

مخلاف عثر

وهو مخلاف عظيم وتغر جميل وسـاحل جليل، وأحد أسـواق العرب. مـلوكه من بني طرف وكانوا موالي بني مخزوم. حدوده تمتد من وادي صبيا جنوباً إلى وادي حمضة شمالاً غير أن الأقدمين لم تكن إشارتهم إلى وادي حمضة على أنه نهاية مخلاف عثر بل إلى أن الوادي من عثر والحدود الإدارية لمنطقة جازان من الناحية الشمالية تمتد إلى ما وراء حمضة والقحمة لتصل إلى وادي ذهبان (شمال القحمة)، لأن قبيلة المنجحة التي تتبع للقحمة تمتد منازلهم إلى الضفة الجنوبية لوادي ذهبان، لتبدأ من ضفته الشمالية قبيلة بني هلال التابعة للبرك.

المخلاف السُلَيْماني

وهذه التسمية الأكثر شهرة من التسميتين السابقتين (حكم وعثر) ليس في تاريخ المنطقة فحسب، بل في كافة كتب التاريخ المعنية بجنوب الجزيرة العربية. حيث أن تسمية مخلاف حكم وكذلك تسمية مخلاف عثر انتهيا في النصف الأخير من القرن الرابع الهجري بتوحيدهما في إطار سياسي واحد عًرف بـ (المخلاف السليماني). ومبدأ تلك الشهرة يرجع إلى النصف الأخير من القرن الرابع الهجري، إذ تمكن السلطان سليمان بن طرف سنة 373 هـ ولأول مرة في تاريخ المنطقة من توحيد المخلافين (حكم ـ وعثر) في مخلاف واحد كبير، يمتد من الأطراف الجنوبية لمخلاف حكم (جنوب أودية عبس ) جنوباً، إلى آخر حدود مخلاف عثر على ضفاف وادي ذهبان عند بلدة البرك شمالاً. لكنه مالبث أن مد نفوذه إلى الشمال حتى تخوم وادي حلي شمالاً. ونُسب المخلاف الموحد فيما بعد إلى مؤسسه المذكور فعرف بالمخلاف السليماني ورغم قصر مدة حكم هذا السلطان التي لا تزيد كثيراً عن عشرين سنة ـ ورغم تواري أسرته عن مسرح الأحداث السياسية بعد وفاته فإن اسم المخلاف السليماني استمر اسم شهرته للمنطقة حتى منتصف القرن الرابع عشر الهجري أي عشرة قرون كاملة.

اسم جازان

أخذ يلوح في أفق المنطقة تسمية أخرى، ما تزال تتردد على مسامع العامة والخاصة حتى أصبحت التسمية الأقرب في الخطاب والكتاب في الوقت الذي أخذت فيه التسمية التاريخية تتلاشى شيئاً فشيئاً حتى باتت التسمية ‘المخلاف السليماني’ غير معروفة الدلالة إلا لذوي الاهتمام والمطالعات التاريخية، تلك التسمية هي جَـازَان وتردد اسم جازان بهذا اللفظ، على الأقل منذ بداية التاريخ الإسلامي على صفحات كثير من المصادر التاريخية والأدبية، كما تردد على صفحات كتب الحديث والتراجم إلا أن نجم شهرته تأثر تألقاً وأقولاً تبعاً لقوة تأثيره في الحديث السياسي. وربما ساهمت المراكز السياسية بمسمياتها المنوه عنها آنفاً في بُعد هذا الاسم عن مسرح الإعلام السياسي، لشغل تلك المسميات مساحة كبيرة منه ومع ذلك تمكن اسم جازان بين وقت وآخر من تحقيق الحضور الإعلامي المناسب أبتداء بجازان الوادي، ومروراً بجازان الداخلية، ثم جازان البندر (الساحلية) وانتهاء بجازان المقاطعة ثم جازان المنطقة الإدارية.

وفيما يلي رصد مرحلي لاسم جازان منذ بداية ظهوره ودلالاته المختلفة عبر العصور التاريخية المتعاقبة حتى العصر الحاضر:

القرن الأول الهجري : 

وفيه تردنا أقدم إشارة صريحة تحمل اسم جازان بهذا اللفظ، حيث أقطع الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك (ت 99 هـ) الشاعر أبا دهبل الجمحي القرشي (126) أرضاً بمنطقة الدارسة جازان. تشير المصـادر إلـى أن علاقة الشاعر بالمنطقة ربمـا بدأت منذ إمارة عبد الله بن الزبير التي قامت بين 63 هـ و73 هـ حيث ولَّى الأخيرُ الشاعر عملاً في جنوب الجزيرة العربية، وربما يكون هذا العمل منطقة الدراسة جازان. وأن سليمان أعدها له. ويرجح د. الزيلعي أن الشاعر مكث زمناً ليس بالقصير في منطقة جازان بدليل ورود كثير من أمكنتها في شعره بما فيها جـازان. حيث يقول:

سقى الله جازانا ومن حل ولية 

وكل مسيل من سهام وسردد

 

القرن الثاني الهجري :

وفيه عاش الإمام يحي بن آدم بن سليمان مولى بني أمية، وألف كتابه المعروف: الخراج وأورد فيه عن رسول الله  حديثاً هذا نصه: أن عبد الله بن حرملة المدلجي الكناني أن رجلا قال لرسول الله  «يا رسول الله إني أحب الجهاد والهجرة وأنا في مال لا يصلحه غيري». فقال له رسول الله  : « لن يألِتَك الله من عملك شيئاً ولو كنت بضمد وجازان» إلا أن كتب الحديث وكتب جرح وتعديل الرجال أشارت إلى ضعف الحديث لأسباب أهمها أنه عن طريق إبراهيم بن أبي يحيى وهو: أبو أسحاق إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى سمعان الأسلمي المدني المتوفى بالمدينة سنة 184 هـ.

العهد السعودي

رغم الاهتمام العثماني بالمدن الساحلية إلا أن ذلك الاهتمام كان يتفاوت من مدينة إلى أخرى فلم يحظ بندر جازان بما حظيت به المدن الساحلية الكبرى كبندر جدة مثلاُ. حتى الدول المحلية التي قامت في المخلاف السليماني بعد دخول العثمانين إلى المنطقة انصرفت إلى المدن الداخلية تتخذ منها عواصم لها وتزيد في الاهتمام بها. كدولة أحمد بن غالب (1102 ـ 1105 هـ) وعاصمته أبو عريش وجازان (القديمة). ودولة آل خيرات (1141 ـ إلى ما بعد 1284 هـ) وعاصمتهم أبو عريش ودولة الأدارسة (1326 ـ 1351 هـ) وعاصمتهم صبيا مما جعل بندر جازان محدود الأهمية، لا تتجاوز أهميته كمرسى لوادي جازان وإن بنى بعض أمراء تلك الدولة قلاعاً فيه.

وظل بندر جازان كذلك حتى دخلت المنطقة تحت الحماية السعودية بموجب معاهدة مكة عام 1345 هـ بين الملك عبد العزيز آل سعود والإمام الحسن الادريسي. ثم تم ضمها إلى مقاطعات ‘ مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها ‘ على أثر برقية رفعها الإمام الإدريسي للملك عبد العزيز آل سعود عام 1349 هـ (الموافق لعام 1930 م) وبذلك أصبحت جازان وما حولها جزءاً من البلاد السعودية. فاتخذت الدولة السعودية مقراً لأول مندوب لها وهو صالح بن عبد الواحد بجـازان البحر. وبعد ثورة الأدارسة وفرارهم إلى الجبال اليمنية في أواخر عام 1351 هـ شهدت المنطقة انتعاشاً في مجال التنظيم الإداري والعمراني فأصبحت العاصمة الإدارية لعموم المنطقة، والمقر الدائم لأميرها. كما أصبحت الثغر الوحيد الذي تطل منه منطقة جازان على خطوط الملاحة البحرية الإقليمية والعالمية بعد أن أغلقت بقية الثغور والمراسي التي كانت مفتوحة على طول شواطئ المنطقة.