[ad_1]
• دعنا نبدأ من تيارات الإسلام السياسي.. ما الذي تغيّر في هذه التيارات؟
•• قبل أن أشرع في إجابة هذا السؤال، أودّ إبدال مصطلح الإسلام السياسي بمصطلح الإسلام الحركي؛ فلدي قناعة بأن الإسلام دين سياسي في المجمل، وأدلة ذلك نجدها في الصحاح، ومنها حديث الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام الوارد في صحيح مسلم، الذي رسم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجب على المواطن المسلم الصالح تجاه أميره، ويرد ذكر الأمير في الحديث في مقام الحاكم الذي أوجب الرسول على المسلمين السمع والطاعة له لدرء الفتن وتثبيت الاستقرار، وهذا توجيه سياسي مكتمل الأركان. إذن فالإسلام دين سياسي، لكن ممارسة السياسة في الإسلام حكر على من يتولَّ أمر الدولة، ومنه إلى من يوكل إليه مهمات داخلة في أمر الدولة. أما الإسلام الذي تصفه بالسياسي، وأصفه أنا بالحركي، فهو يعني تأسيس الأحزاب والمنظمات والحركات الخارجة على هيكل الدولة، التي تعلن عن إسلامية مشروعها السياسي، وتتتعسف في تفسير النصوص بغرض خلق أرضية تنطلق منها في تكفير الحكام، وتباعا، تجويز الخروج عليهم، وإن تسبب ذلك في ترويع الآمنين وفي استباحة الدماء والأموال والأعراض.
أما سؤالك عمّا تغيّر في هذه التيارات، فقد تغيّرت آليات عمل كثير منها، مع ثبات هدفها الأعلى المتمثل في الوصول إلى الحكم. وأقصد بتغيّر الآليات أن كثيرا من الأحزاب والتنظيمات الإسلامية قد تخلت عن هياكلها التنظيمية المغلقة، وعوضتها بتكوين حالات تيارية تتمتع بقدر أكبر من المرونة، ومن أبرز سمات الحالة التيارية تمتعها بالخاصية الأسموزية، فالتنظيمات والأحزاب والحركات التي تخلت عن الهياكل التنظيمية المغلقة لصالح تكوين حالات تيارية، قد نجحت بهذا التحول، في التغلغل في الجسد الاجتماعي، والتأثير فيه بخواصها القابلة للذوبان ظاهريا، وهي عند ذوبانها تنقل تلك الخصائص إلى جسد المجتمع عبر أغشية اجتماعية شبه مُنْفِذَة مثل العمل الخيري، وأوجه النشاط الثقافي الأهلي، وتنظيم المناسبات العامة، وحفلات التكريم، والسيطرة على وسائل التأثير في المزاج الاجتماعي.
• هل تعيد كتابة تاريخ الشيعة في السعودية؟
•• إعادة كتابة التاريخ عمل على المؤرخين القيام به، وأنا لست مؤرخا، وما أنا سوى مواطن ولد لأبوين شيعيين ووجد نفسه محاطا بحراك سياسي مذهبي يستوجب بذل الجهد اللازم لفهمه وإدراك مدى تأثيره، والعمل على الحد من آثاره الهدامة.
• ما المؤهلات المطلوب توافرها في من يتصدى لمناقشة مواضيع معقدة في الإسلام السياسي الشيعي؟
•• أول مؤهل على المتصدي نيله، المعرفة النافية للجهالة بالمواضيع التي ينهض لمناقشتها، وهذا مؤهل عام على كل من يتصدى لنقاش أمر من الأمور العامة نيله؛ كما أن على الكاتب أو الباحث الذي ينهض لتناول هذا الموضوع أو غيره من المواضيع المعقدة، أن يتمتع بالعقل الناقد، وأن يكون قادرا على استبدال جرعات الدهشة العالية بشيء من البرود العلمي، ولا يعني ذلك الانعتاق التام من تأثير المشاعر، فالمشاعر تدخل في حيّز العاطفة، والعاطفة قد تكون جامحة بما يفوق قدرة العقل على ترويضها أو تحييدها، وبهذا فعلى من يروم التصدي لمناقشة المواضيع عالية التعقيد أن يجد تلك الصيغة المركبة التي تتجاور فيها الاشتراطات العلمية الصارمة مع عفوية المشاعر وتدفقها، بمعنى ألا ضير في كراهية الظلاميين والمخربين والإرهابيين، ولا معنى لتحييد المشاعر تجاه الجرائم التي ارتكبوها بحق الأهل والأوطان.
• بماذا تبرر انتشار أفكار الإخوان المسلمين وكتب سيد قطب بين المثقفين الشيعة الملتزمين مذهبيا؟
•• لا معنى لتبرير انتشار أفكار الإخوان المسلمين بين المثقفين الشيعة الملتزمين مذهبيا، بل المُعّوَل على شرح أسباب انتشار تلك الأفكار، وهذا يقودني إلى جذور المسألة في محاولة لفهم أساس العلاقات العابرة بين الحركات السياسية الدينية على اختلاف مذاهبها، وسأبدأ الشرح بالعودة إلى أحد مقالاتي المنشورة على صفحات صحيفة عكاظ الغرّاء يوم السبت ٣١ مارس، ٢٠١٨. شرحت في مقدمة مقالي الظروف الدولية التي اضطرت بسببها الدولة العثمانية إلى القيام ببعض الإصلاحات بداية من عام ١٨٣٩ عندما أصدر السلطان عبدالمجيد «خط كلخانة شريف» وأتبعه عام ١٨٥٦ بـ«خط همايون» وكانت هذه مراسيم سلطانية صدرت حينذاك بقصد إصلاح الدولة وتحديثها وفقا للنموذج الأوروبي، وقد أصدرها السلطان عبدالمجيد مرغما لأن فجوة حضارية واسعة كانت تفصل بين دول أوروبا الرأسمالية الحديثة وبين العالم الإسلامي الذي كانت تحكم السلطنة العثمانية مساحة مترامية الأطراف منه، وقد تبين حجم هذه الفجوة الهائلة منذ حملة نابليون على مصر والشام أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، إلّا أن الضعف الذي اجتاح جسد السلطنة العثمانية كان قد بدأ يدب في أوصال الدولة منذ القرن السادس عشر حينما بدأت دول أوروبا التدخل في شؤون الأقليات العثمانية، إلا أن حركة الابتعاث التي أدت إلى انكشاف النخب العثمانية على معطيات الثقافة الحديثة، قد أسهمت بشكل ملحوظ في رفع درجة الوعي بحجم الهوة الفاصلة بين العالمين. كان العرب في بلاد الشام من أوائل الذين انتشر بينهم الوعي الحديث الذي قامت على قواعده الفكرية حركة إحياء ثقافي عربي نزّاع نحو النموذج الليبرالي الغربي، وذلك لأن غالبية رواد حركة الإحياء العربية كانوا من المسيحيين العرب، وكانت لديهم مخاوف وجودية من أن تقوم حركة نهضة حديثة تتخذ من الإسلام رافعة لها وتتخذ من الرابطة الإسلامية بين مختلف الأعراق التي تدين بدين الإسلام لاصقاً عقدياً عابراً للأعراق تتكون به دولة على الطراز السابق للدولة-الأمة، والدولة-الأمة كانت قد بدأت تأخذ شكلها المفاهيمي النهائي، وكانت النخب المسيحية العربية ترى فيها إطارا يضمن مستقبلا آمنا تتعايش فيه تلك النخب مع من يشاركها الجوار من أبناء الملل الأخرى، وعلى الجانب الآخر فقد تأثرت النخب التركية أيضا بما تأثرت به النخب العربية، إلا أن تموضع كل نخبة من تلك النخب في هياكل الدولة قد فرض تصورين متضاربين حول مستقبل السلطنة العثمانية؛ ففي الوقت الذي كانت تطمح النخب العربية في بلاد الشام إلى حدوث حركة استقلال ثقافي وسياسي تقوم على أساسه دول لكل مواطنيها بغض النظر عن مللهم ونحلهم، فقد طمحت النخب التركية إلى هدم الأنساق السلطانية القديمة وتحديث السلطنة وفق المفاهيم الأوروبية التي تعلموها من خلال انكشافهم المباشر على الأفكار الحديثة، مع فارق رئيس حول شكل الدولة المتخيل، فقد عملت النخب التركية ضمن حركة تحديث اتسمت بطورانية متطرفة كان سعيها الأساس الإبقاء على الرقعة الجغرافية الإمبراطورية الموروثة من السلطنة العثمانية، والعمل على تتريكها قسرا. في هذا الخضّم ظهرت شخصية جمال الدين الأفغاني الذي رأى كما رأى غيره من معاصريه، أن الجغرافيا التي يشكل المسلمون بمختلف أعراقهم، غالبية سكانها، هي جغرافيا مهزومة حضاريا، وبما أن القاسم المشترك الأوحد بين الأعراق المسلمة المهزومة حضاريا، هو الدين الإسلامي، فالدين الإسلامي إذن سيكون رافعة النهضة في وجه الغرب المنتصر حضاريا حينذاك. رأى السلطان عبدالحميد الثاني في فكرة الجامعة الإسلامية أداة مهمة قد تساعده في صراعه ضد الضباط الطورانيين الذين أظهروا نزوعا علمانيا متطرفا وكارها للثقافة الإسلامية. من هذا الأصل بدأ التأثير الحركي الإسلامي العابر للمذاهب يظهر إلى حيز الوجود؛ فجمال الدين الأفغاني المولود لأسرة شيعية قد تنقل بين مذاهب عدة، ولم يُعْرَف له استقرار، بل على الرغم من حقيقة كونه أحد أكثر الشخصيات التي نالت اهتماما بحثيا رفيع المستوى، إلا أن هناك جوانب من حياته لا تزال غير واضحة للدارسين، فمن المؤكد تحدره من أسرة شيعية إيرانية، إلّا أن أبرز مريديه كان الشيخ محمد عبده الأزهري المرموق، وكان أبرز مريدي الشيخ محمد عبده، الشيخ السلفي المرموق محمد رشيد رضا الذي كتب مجموعة مقالات حول الخلافة في سياق المناظرات التي تزامنت مع إعلان مصطفى كمال أتاتورك إلغاء السلطنة والإبقاء على رسوم الخلافة عام ١٩٢٢، وأتبعه عام ١٩٢٤ بإعلان إلغاء الخلافة. في الفترة الفاصلة بين إعلان إلغاء السلطنة وإعلان إلغاء الخلافة، شهد العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، مناظرات فكرية-فقهية-سياسية نتجت عنها مجموعة من المؤلفات المرجعية، ولعل أبرزها مجموعة مقالات الشيخ محمد رشيد رضا التي نشرها في مجلته «المنار» ثم جمعت في كتاب بعنوان «الخلافة أو الإمامة العظمى»، ومقابل كتابات الشيخ محمد رشيد رضا في شأن الخلافة، صدر كتاب للشيخ علي عبدالرازق بعنوان «لإسلام وأصول الحكم» عبّر عن تضاد في الرأي مع الشيخ محمد رشيد رضا، ورفض فكرة الخلافة التي نافح عنها الشيخ محمد رشيد رضا. على أية حال فإن إعلان مصطفى كمال أتاتورك إلغاء الخلافة كان ضربة للمدافعين عن فكرة استمرارها كرمز لتوحيد المسلمين. بعد مرور أربعة أعوام على إلغاء الخلافة، أي عام ١٩٢٨، ظهرت إلى الوجود حركة الإخوان المسلمين على يد حسن البنا، وكان حسن البنا قد تأثر بعددٍ من المشايخ من بينهم الشيخ محمد رشيد رضا، وينسب للبنا قوله عن نفسه إنه جمع بين تصوفه الحصابي-الشاذلي وبين السلفية دون تناقض. بعد هذا الشرح التفصيلي، يمكنني القول إن الإسلام الحركي قد عرف التطواف تأثيرا وتأثرا بين المذاهب، لذا لا غرابة في انتشار أفكار الإخوان المسلمين ومؤلفات سيد قطب بين نوعية معينة من المثقفين الشيعة الملتزمين مذهبيا. أشعر أن المقام قد طال بي في إجابة هذا السؤال، ولولا ذلك لاستطردت في تسليط الضوء على العلاقة التي ربطت جماعة نواب صفوي الإيراني الشيعي التي عرفت باسم «فدائيي الإسلام» وبين جماعة الإخوان المسلمين، والمدى الذي وصلته تلك العلاقة.
• لماذا كامل الخطي وحسن المصطفى ومحمد الحرز وليس توفيق السيف وحسن الصفار وآخرون من يقوم بمراجعة الإسلام السياسي الشيعي؟
•• سأشق سؤالك شقين وأجيب على شقه الثاني قبل شقه الأول؛ تسألني في الشق الثاني عن أسباب عدم قيام توفيق السيف وحسن الصفار وآخرين بمراجعة الإسلام السياسي الشيعي، ولا أجد بحوزتي جوابا على هذا السؤال؛ أقصد جوابا يستند إلى معلومات موثوقة توفر الاطمئنان البحثي اللازم، ولا أريد في هذا الصدد أن أعطي جوابا يقوم على التحليل والاستنتاج؛ كما أرى أن أيسر سبيل للحصول على جواب لهذا السؤال هو إحالة هذا السؤال إلى المعنيين به لعل أحدهم لديه الرغبة والحافز للإجابة. أما الشق الأول لسؤالك فأنا مضطر لتشذيبه قبل المضي في إجابته؛ جمعت بسؤالك ثلاثة أسماء لا تنطلق من المنطلقات ذاتها، والجامع بيننا نحن الثلاثة المذكورين في السؤال كوننا أبناء أسر شيعية سعودية، لكن لكل منا تجربته الخاصة التي جعلت منه ما هو عليه اليوم، فحسن المصطفى ومحمد الحرز قد مرا بتجربة الحركية الإسلامية، وأنا لم أمر بهذه التجربة على الإطلاق، لذا يصح القول عن كتابات حسن المصطفى ومحمد الحرز إنها كتابات تندرج تحت تصنيف مراجعات الإسلام الحركي الشيعي؛ فالمراجعات يقوم بها حركيون سابقون، أما ما دفعني لتناول الإسلام الحركي الشيعي في بعض ما كتبت، فهو السبب الذي سبق لي إيضاحه في إجابتي على السؤال الثاني، فأنا ابن أسرة شيعية سعودية نشأت في بيئة لاحظت مدى التأثير الذي يحدثه فيها الإسلام الحركي فاندفعت للتعلم عنه ومحاولة فهم آليات عمله ومواضع تأثيره، والعمل وسع إمكانياتي للحد من ضرره، وفي هذا الصدد سأجيز لنفسي إظهار درجة من إنصاف الذات لا أخجل منها، فأول ورقة علمية كتبتها في هذا الشأن، كانت ورقة قدمتها بعنوان «الإسلام السياسي في المجتمع الشيعي في السعودية.. نموذج حركة الرساليين الطلائع» خلال مؤتمر انعقد يومي الأربعاء والخميس ٢-٣ سبتمبر ٢٠١٥ في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بعنوان «مؤتمر خطابات، وأيديولوجيا، وشبكات الحركات الجهادية الإسلامية». تسربت هذه الورقة، ولا أعلم كيف تسربت، ولكني لم أنكرها عندما سئلت عنها مرارا وتكرارا. قدمت ورقة أخرى بعنوان «حزب الله والشيعة العرب في دول الخليج» لإحدى ندوات الطاولة المستديرة التي ينظمها مركز الملك فيصل أيضا، وحدث هذا في وقت لاحق من عام ٢٠١٥، وهذه الورقة لم تتسرب. شَكَّلَتْ الورقتان فتحا في أرضٍ بحثية بكر، حيث لم يسبق لكاتب شيعي سعودي رفع سقف مناقشة مسألة الإسلام الحركي للبعد الذي وصلته الورقتان. مضت سنتان من تقديم هاتين الورقتين في مركز الملك فيصل، فدار حديث حولهما بيني وبين الصديق العزيز جدا الأستاذ علي العميم الذي سألني إن كانت حقوق الورقتين لي أم لمركز الملك فيصل، فأجبته بأن حقوقهما لي إذ لم ينشرهما المركز ضمن سلاسل نشره المتعددة، فاقترح عليّ نشرهما في صحيفة عكاظ، وقدمني مشكورا للصديق العزيز الأستاذ سعد الخشرمي الذي تحمس جدا لنشر الورقتين على أن تتم تجزئة الورقة الخاصة بحركة الرساليين الطلائع إلى ثلاثة أجزاء، وهكذا جرى نشر أربع مقالات لي في صحيفة عكاظ في الفترة الواقعة بين ١٤ أكتوبر و٤ نوفمبر عام ٢٠١٧، بنشر تلك المقالات، مُهِّدَ الدرب أمام السالكين الذين ربما كان لدى بعضهم مادة قيّمة للنشر ولكنهم أحجموا خشية الثمن الاجتماعي الباهظ الذي قد يفرض عليهم نتيجة التجرؤ على تناول المسكوت عنه. إن مما يلفت النظر في التجربة أن رد الفعل لم يرقَ لمستوى التوقعات، وأظن أن هذا قد شجّع الآخرين على خوض غمار تجارب مماثلة، إذ ثبت للمراقب والراصد أن المخاوف التي أحجم المعنيون بسببها، عن التصدي للمراجعات، مخاوف وهمية، وقد أثبتت التجارب ذلك. أما الآن فأنظر بعين الرضى بسبب تراكم المنجز الكتابي المختص بمناقشة هذا الموضوع المهم والحيوي، ولكن الطموح العلمي لا يزال غير متحقق حتى هذه اللحظة، وأرجو أن يسع الوقت والجهد والإمكانات جميع المختصين في دراسة الإسلام الحركي الشيعي حتى تتحقق الأهداف العلمية والوطنية التى تسعى إليها هذه المجهودات.
• تدوين التاريخ الحديث للشيعة في السعودية قدمه حمزة الحسن وكانت لك عليه العديد من الملحوظات.. هل يمكن التفصيل في هذا؟
•• لو فصلت جميع ملاحظاتي على ما كتبه حمزة الحسن في موضوع التاريخ الحديث للشيعة في السعودية، فلن تتسع المساحة هنا، لهذا سأبقي ملاحظاتي مختصرة قدر الإمكان وسأقتصر على ما أراه أكثر وجاهة. أهمل حمزة، إما عامدا أو جاهلا حقائق تاريخية مثبتة بالدليل والبرهان بخاصة في الجزء الثاني من كتابه «الشيعة في المملكة العربية السعودية» .
عمل حمزة مملوءا بالعيوب المنهجية منها عيوب فرضتها غائية المؤلف بعمله على عسف المسار التاريخي لإثبات صحة فرضياته، ومنها عيوب فرضتها حقيقة قصور التأهيل العلمي للمؤلف؛ إذ إن المؤلف وهو يقدم هذه الفرضية قد افترض ضمنا أن منطقة القطيف كانت مستقرة تحت الحكم التركي، وذلك أمر غير صحيح البتة، حيث إنّ أي دارس لتاريخ المنطقة يعلم بالأدلة القاطعة أن القطيف دخلت تحت سلطان الدولة السعودية الأولى ثم الدولة السعودية الثانية، وأن الحق التاريخي الذي بنى الملك عبدالعزيز مشروعه التوحيدي عليه، يشمل منطقتي القطيف والأحساء. أهمل حمزة أيضا المعطيين الجوهريين اللذين ميّزا مشروع الملك عبدالعزيز التوحيدي، فحينما عاد الملك عبدالعزيز من الكويت ليقود مشروع استعادة السلطان من مغتصبيه، ويوحد غالبية المناطق التي حكمها آباؤه وأجداده، لم تكن في حوزة الملك عبدالعزيز الأموال التي يمكن أن يجري بها رواتب وأعطيات المقاتلين الرواد الذين خاضوا معه معارك التوحيد، وإنما اصطف المقاتلون في معسكر الملك عبدالعزيز لعلمهم الأكيد أن الملك عبدالعزيز يؤسس دولة تمنح مواطنيها الأمن والعدالة، وهذان هما المعطيان الجوهريان اللذان شكّلا ما يمكن وصفه بـ«العقد الاجتماعي» بين الملك المؤسس وبين مواطنيه بفئاتهم كافة. أهمل حمزة أيضا نظرية الدوافع عند ذكره موقف عبدالحسين بن جمعة وموقف الشيخ حسن علي البدر، وافترض أن موقف هاتين الشخصيتين قد انطلق من خلفية الدفاع عن الهوية المذهبية المميزة لسكان القطيف من الشيعة، وكمطلعٍ على بعض الوثائق الثابت صحتها، أدفع بخطأ استنتاجات حمزة حول موقف عبدالحسين بن جمعة والشيخ حسن علي البدر؛ فمما اطّلعت عليه، ثبت لدي أن الشيخ حسن علي البدر كان حليفا لآل جمعة الذين أصابوا قدرا وافرا من الثراء والجاه تحت حكم الأتراك، وعرفت تجارتهم ازدهارا على امتداد سواحل الخليج حتى الداخل العراقي بسبب علاقتهم المميزة بالسلطات العثمانية في البصرة، وعندما قرر منصور باشا بن جمعة وأخوه وشريكه عبدالحسين بن جمعة تحويل أملاكهما الثابتة والمنقولة إلى وقف ذري، كان الشيخ حسن علي البدر هو من تمت بإشرافه ورعايته عملية التحويل هذه. إذن فهذه شخصيات بارزة كانت مستفيدة من الوجود التركي في المنطقة، ومن المنطقي أن تشعر مثل هذه الشخصيات بخوف على مصالحها خلال عملية انزياح السلطة من المعلوم الذي يرعى مصالحها إلى مجهول لا تدري إلى أي اتجاه تسير مصالحها معه، ومثل هذا الموقف لا يخلو من قصر نظر سياسي، فلو أن هذه الشخصيات قرأت سيرة الصراع على حيازة المنطقة في العصر الحديث التي تزامنت مع ضعف وتفسخ الدولة العثمانية، لاستوعبت ضرورة إعادة التموضع السياسي بما يضمن لها الحفاظ على ما حققته من مكتسبات في عصر مضى؛ فالملك عبدالعزيز لم يعاقب الوجهاء والأعيان الذين ربطتهم بالدولة العثمانية مصالح مشتركة إبّان امتداد النفوذ العثماني على المنطقة، إذ لم ينل العقوبة سوى الذي أبدى نوايا تخريبية تجاه مشروع التوحيد، وذلك بالاتصال بقوى خارجية تمثلت في بريطانيا التي كانت موجودة في البحرين، والتي نقرأ من خلال ردود ضباطها السياسيين ومقيميها في منطقة الخليج، أنها لن تتدخل عسكريا لصالح فريق ضد آخر على اليابسة لأنها ليست لها مصلحة في ذلك، فيابسة الجزيرة العربية لم يكن بها ما يدفع القوى الدولية المهيمنة إلى المغامرة للسيطرة عليها، والذي لم يحسن قراءة هذا الواقع حينذاك، انتهى به الأمر في صفوف معسكر الخاسرين، وهذه من طبيعة الأمور، حيث تنتج عن التحولات الكبرى أطراف رابحة وأخرى خاسرة. هذه بعض ملاحظاتي على اشتغالات حمزة الحسن في تاريخ الشيعة في المملكة العربية السعودية، ولو فصلت جميع ملاحظاتي، فسوف أحتاج إلى مساحة كتاب من الحجم المتوسط على أقل تقدير.
• أنت ترى أنّ الأحزاب السياسية ليست لها قاعدة شعبية.. كيف يمكن إثبات ذلك؟
•• لإثبات ذلك بالأرقام، سنحتاج لتصميم استطلاع رأي مقنن ومتحققة فيه الاشتراطات العلمية، ومن ثم إخضاع البيانات المتحصلة من الاستطلاع للإحصاء والتحليل حتى نقول للسائل عن الدليل: خذ الدليل. لكن هذا غير متيسر الآن، إلا أن عدم تيسر مثل هذا الاستطلاع لا يعفينا من الملاحظات الانطباعية التي لا أجزم بالقول بقطعية دلالاتها، وفي الوقت ذاته لا أستهين بدلالاتها بخاصة في انعدام البدائل العلمية. كما لا أقصد بالملاحظات الانطباعية تلك الأحكام التنميطية المنفلتة من القيود كافة، وإنما أشير تحديدا إلى نوع من الملاحظات الانطباعية تتكون نتيجة معايشة يومية لصيقة بهذا الشأن يمارسها أشخاص يتمتعون بالأدوات العقلية والمعرفية والأخلاقية اللازمة، وأزعم أن ملاحظاتي الانطباعية تنتمي إلى هذا النوع دون تردد؛ فأنا معايش لهذا السياق في تفاصيله اليومية، وينمو لعلمي كم من المعلومات والبيانات أكبر من قدرتي على حصرها وفرزها وتصنيفها إحصائيا بما يمكن أن يجعل منها مادة قابلة للتحكيم العلمي، وفي الوقت عينه، هذه المعلومات والبيانات التي تصلني دون انقطاع، أوضح من أن تغفل أو تمر دون إحداث أثر على من تتوفر عنده الأدوات العقلية والمعرفية والأخلاقية اللازمة.
• ما الذي ينبغي علينا فعله لتجاوز تأثيرات الصحوة السنية وظهور الخميني في الحالتين السنية والشيعية في الفضاء السعودي؟
•• علينا فعل الكثير دون توقف، وعلينا العمل بكل الإمكانات على ترسيخ مفهوم الهوية الوطنية والدفاع عنها بكل الوسائل المعرفية والأمنية على حدٍ سواء، فالهوية الوطنية هي اللاصق الآمن لحاضرنا ومستقبل أبنائنا، وعلينا الوقوف بثبات ويقظة في وجه المشاريع السياسية العابرة للحدود، وعلينا أن نوسع هامش الحديث عمّا يهدد مصالحنا الوطنية، وعلينا أن نؤكد دائما وأبدا أن الجهة الوحيدة التي تمتلك صلاحية تشخيص المصلحة الوطنية هي قيادتنا الرشيدة أيدها الله، وكل ما خلاها باطل؛ كما علينا ألا نغفل ولو لبرهة عن التعليم، بالذات التعليم في المراحل ما قبل الجامعية، فالمؤسسات التعليمية ما قبل الجامعية، مصانع أجيال المستقبل.
• هل حياد الكتاب والإعلاميين والمثقفين حلّ؟
•• الحياد تافه في كل الأحوال، ويزداد تفاهة عندما يتعلق الأمر بالقضايا الوطنية؛ فالحياد في القضايا الوطنية يشبه الحياد بين المجرم والضحية! كيف لمن اطّلع على ظروف وملابسات فعل عدائي ارتكبه طرف ضد آخر أن يقف على الحياد بين الطرفين، في مثل هذه الحالات يتوجب على المطّلع أن يحدد أي الطرفين معتدٍ وأيهما مُعتدى عليه، وأي الطرفين باغٍ وأيهما مبغي عليه، ثم على المطّلع أن يتخذ موقفا موضوعيا يدين به الجاني ويعمل على إنصاف المجني عليه؛ فالموضوعية والحياد أمران لا يشبهان بعضهما. وأرى أن سؤالك يشير إلى أحد مقالاتي المنشورة على صفحات صحيفة عكاظ الغرّاء بعنوان «هذا ليس وقت الحياد.. إنه وقت الموضوعية، وقت الانحياز للوطن» حيث كتبت هذا المقال ونشرته يوم ١٧ أكتوبر ٢٠١٨، بعد مضي خمسة عشر يوما على اختفاء الكاتب الصحافي السعودي جمال خاشقجي رحمه الله. ختمت مقالي بدعوتي الوطنيين من كتاب ومؤثرين بالتخلي عن الحياد وبضرورة التزام الموضوعية ووصفت الانحياز التام للوطن بـ«الموضوعية». حين كتبت ذلك المقال كان المشهد غير مكتمل الملامح، وكانت الضبابية تغلف المشهد بكثافة، وكانت هناك أطراف مختلفة المشارب تعمل على شيطنة المملكة العربية السعودية بكل عدوانية متاحة، وفي ذلك السياق أعيد استخدام منهج الدعاية النازية المتمثل في إنتاج الأكاذيب وتكرارها والإصرار عليها حتى تبلغ في تأثيرها مبلغ الحقائق المثبتة، وكانت الأطراف المشاركة في تلك الهجمة الشرسة على المملكة تسعى لتحقيق مصالح مختلفة لكل طرف، ويجمع بين الأطراف كون مصالحها يمكن أن تتحقق عبر الإضرار بالمملكة وتشويه سمعتها وإدانتها بالباطل تمهيدا لابتزازها واستنزاف خيراتها، وكنت مملوءا ثقة بأننا سنتجاوز تلك المحنة وسنصبح أقوى، فمثل تلك المحن تعمل عمل النار التي تخلص المعادن الثمينة من الشوائب وتجعلها أنقى، وقد مرت على تلك الأزمة قرابة الأعوام الأربعة، وها نحن -بفضل الله- نشهد أن من أرادنا بسوء حينئذ يقف اليوم ببابنا مادا يده بالسؤال لطي تلك الصفحة وفتح صفحة جديدة، وبما أن السياسة فن الممكن، والمصلحة هي الأمر الثابت في السياسة، ودون المصلحة، فكل الأمور متغيرات لا تعرف الثبات، نلبي سؤل السائل طي الصفحة ونحن أكثر قدرة على استشراف المستقبل، وأكثر مهارة في التزام الحذر من نوع معين من الأصدقاء ينطبق عليهم وصف الشاعر راشد الخلاوي رحمه الله:
هي دارنا وضحا من الدور نازه ×× لأذيال فخر العز والمجد ساحبه
ضربنا وراها كل صم عصمصم ×× وضرغام غابٍ عض بالسيف غاربه
حتى غدت بالسيف كلٍ يزورها ×× ويعني لها رغمٍ على أنف صاحبه
• لماذا تتربص الليبرالية الكلاسيكية في الغرب بنا وبثقافتنا؟
•• في النسق الكولونيالي العتيق، تقوم قوى أجنبية باحتلال أرض وحكمها والاستفادة من خيراتها، ولا مناص من حدوث تأثيرات معتبرة تسير من الأعلى للأسفل، أي أن القوى المُسْتَعْمِرة تؤثر في الشعوب المُسْتَعْمَرة، وغالبا ما تخلف قوى الاستعمار وراءها أنظمة سياسية تضمن رعاية مصالح قوى الاستعمار بعد منح الاستقلال للمناطق المستعمَرة أو بعد نيل تلك المناطق استقلالها بأي طريقة كانت، خصوصا إذا أطال الاستعمار البقاء في منطقة ما، ولنا في شبه القارة الهندية مثال واضح، وحدث الأمر ذاته في مناطق أخرى من العالم، ورغم عدم تطابق كل التجارب، إلا أن هناك تجارب تثبت صحة وجهة النظر هذه، ومنها التجربة الهندية. زال النسق الكولونيالي العتيق من الوجود بعد انهيار نظام عالمي قديم وقيام نظام عالمي أكثر حداثة بديلا له، وصاحب نشوء النظام العالمي الجديد ظهور الولايات المتحدة كقوة إمبراطورية هي الأعظم في العالم سياسيا وعسكريا واقتصاديا وتقنيا وعلميا، حيث ظهرت الولايات المتحدة على الساحة الدولية بعد الحرب العالمية الثانية قوة تسبق أقرب منافسيها بأشواط طويلة، وربطت المملكة العربية السعودية بالولايات المتحدة الأمريكية رابطة قوية تقوم على أساس المصلحة المشتركة، ومن الدروس التي استفادتها الولايات المتحدة ممن سبقها من الإمبراطوريات، التخلي عن نموذج الاستعمار المباشر الذي يحتّم على المُستعمِر تحمل أعباء الحكم والإدارة في البلدان المستعمَرة، وبالتخلي عن النموذج الاستعماري العتيق، تنتفي الحاجة إلى استخدام القوة الصلبة لإحداث التأثير الثقافي على الشعوب والدول الصديقة والحليفة، والاستعاضة عنها باستخدام القوة الناعمة المتمثلة في ترويج الحلم الأمريكي بإشاعة أسلوب الحياة الأمريكي عبر وسائل نشر المعرفة مثل الإعلام والسينما ومشاريع سلاسل مطاعم الوجبات السريعة وتصدير السيارات الفارهة ونشر نموذج الطرق السريعة، وغيرها من نماذج أسلوب الحياة التي تحقق هدفين عند رواجها؛ هدف الربح المادي المباشر، وهدف التأثير الثقافي الذي يحول الشعوب المستقبلة لذلك التأثير، إلى شعوب تتبنى أسلوب الحياة الأمريكي بكل تفاصيله، وتسير باتجاه الحداثة وفق هذا الأسلوب، وقد أصاب أسلوب الحياة الأمريكي نصيبا وافرا من النجاح في مختلف زوايا الكوكب، ولم نكن بمنأى عن ذلك التأثير، إِلَّا أن صيغة العلاقة التي ربطت بيننا وبين الولايات المتحدة الأمريكية لم تبلغ درجة نصبح معها محمية أمريكية أو أن نصبح من الدول المشمولة بما عُرِفَ بـPax Americana فالقرار السياسي السعودي تمتع دائما بالاستقلال، وإذا صدرت مواقف سعودية وأمريكية متطابقة بشأن ملف ما، فإن هذا التطابق يعزى إلى التقاء المصالح، وليس إلى الإملاءات الأمريكية، ومن أبرز من لاحظ هذا التميّز في علاقة المملكة بالولايات المتحدة الأمريكية، فرد هاليداي. آخرون أيضا اتفقوا مع ملاحظة فرد هاليداي، ولكن تعمدت أخذ فرد هاليداي مثالا لأن فرد هاليداي يساري إيرلندي لم يحمل تجاه السعودية مشاعر ود، وقد كتب ملاحظته حول استقلال القرار السعودي عن القرار الأمريكي في أوائل سبعينيات القرن العشرين، ويمكن لمن أراد الاطّلاع على ما كتبه هاليداي، الرجوع إلى كتابه Arabia without Sultans الصادرة طبعته الأولى عام ١٩٧٤ عن دار Penguin وترجم إلى لغات عديدة منها العربية والفارسية والتركية واليابانية، وأعيد طبعه مرارا وتكرارا على مدى عقود من الزمن. ما أردت تأكيده بهذا التمهيد حقيقة أن المملكة العربية السعودية لم تكن يوما طرفا في علاقة استتباع مع أي قوى عالمية، ولدى المملكة كل أسباب القوة الكفيلة بحماية استقلال قرارها، وأسباب القوة التي أقصدها، متوفرة لدى المملكة قبل تدفق النفط، وهي أسباب ثابتة؛ ففي المملكة الحرمان الشريفان، وقبلة المسلمين، وأراضي المملكة شهدت انبعاث رسالة الإسلام ونزول الوحي، كما أن المملكة هي الخزان البشري للعرب وهي الحافظ للثقافة العربية-الإسلامية، ناهيك عن موقع المملكة الجغرافي الذي يشكل الجسر الرابط بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، هذه كلها قيم ثابتة وسابقة لتدفق النفط، وستبقى بعد نضوب النفط؛ فالمملكة إذن هي حصن الثقافة العربية-الإسلامية، وبحفاظ المملكة على هذه القيم دون انغلاق، فالمملكة حليف غير قابل للقولبة، والتغيير الإيجابي الهائل الذي تشهده المملكة هذه الأيام، نابع من حاجة وطنية أصيلة، ويسير قدما دون تعريض الثوابت القيمية الوطنية لخطر الاهتزاز. وفي الولايات المتحدة هناك أكثر من منهج من مناهج المقاربات السياسية؛ فهناك منهج الواقعية السياسية الذي إذا اعتمد من قبل صنّاع القرار تأخذ العلاقة البينية التي تربطنا بالأمريكان، صيغة أكثر انسجاما من إذا اعتمد المنهج الليبرالي الإملائي الذي يتسبب في توتير العلاقة كل فترة وأخرى، والسبب الرئيس وراء ذلك، هو أن الأيديولوجيا التي يلتزمها أهل الواقعية السياسية، أيديولوجيا مرنة، بينما الأيديولوجيا التي يلتزمها الساسة الليبراليون التقليديون، أيديولوجيا صلبة تتوسل التبشير بالقيم الغربية وإن استدعى ذلك الضغط على الحلفاء بكل طريقة ممكنة. وهكذا تتضح لنا أسباب التربص الليبرالي الكلاسيكي الغربي بنا، فالليبرالية الكلاسيكية الغربية ترى فينا وفي ما نمثله؛ «الحليف البغيض العصي على التغيير وفق المقاييس القيمية الغربية».
• التيارات الإسلامية لماذا تسعى لتقويض خطاب الاعتدال الذي تمثله السعودية اليوم؟
•• تمثل السعودية أنموذجا بارزا للاستقرار الأمني والسياسي، وللسعودية موقع طليعي في منظومة الاعتدال، وتمتلك السعودية ميزات نسبية كثيرة، واستنادا على هذا، فإن النموذج السعودي الجديد الآخذ في الاكتمال هو اليوم النموذج الذي تتطلع شعوب المنطقة إلى اقتفاء أثره والاقتداء به، أي أن السعودية القوية المستقرة الناجحة المزدهرة تلعب دور المُلْهِمْ على مستوى العالمين العربي والإسلامي، وشيوع حالة الاستقرار والازدهار في العالمين العربي والإسلامي، سيضيق هامش الفوضى والعشوائية، وهو الهامش التي تسعى لتوسعته تيارات الإسلام الحركي، لأنها تيارات يتعاظم نفوذها ويزداد تأثيرها في مناطق الفوضى الناتجة عن ضعف الدول، فالسعودية إذن عدو طبيعي للتطرف الذي تنتهجه تيارات الإسلام الحركي، ومن البديهي سعي هذه التيارات لتقويض خطاب الاعتدال الذي تمثله السعودية.
• هل آن أوان مرجعية شيعية محلية في السعودية؟
•• هذه مسألة مرتبطة باشتراطات محددة من داخل سياقها في المقام الأول، فإذا تحققت الاشتراطات ستظهر مرجعية أو مرجعيات شيعية سعودية، وإذا كان سؤالك يشير ضمنا إلى أن ظهور مرجعية سعودية من شأنه أن يضع حدا لارتباط الشيعة السعوديين بمراجع تقليد من خارج وطنهم، ويخفض منسوب القلق المتعلق بازدواج الهوية، فأنا متفق مع إشارتك الضمنية، رغم علمي بأن هذا القلق لم يكن سائدا قبل تسييس المذهب، وتسييس المذهب حَدَثَ في ظروف عربية وإسلامية عامة لا تخص الشيعة دون غيرهم، ومن تلك الظروف:
١- فشل المشاريع السياسية العربية التي ارتبطت بالفكرة القومية في بناء نماذج سياسية ناجحة.
٢- مباركة التحالف الدولي لمكافحة الشيوعية نشوء تيارات سياسية إسلامية تشارك الغرب في مجهودات الحرب الباردة، سواء علمت تلك التيارات هذه الحقيقة أم لم تعلمها؛ وقد تمظهر التحالف الدولي لمكافحة الشيوعية في تكتلات ومؤسسات مثل نادي السفاري ومنظمة حرية الثقافة CCF وغيرها من مؤسسات غربية أنشئت من أجل خوض الحرب الباردة بين ما يعرف بالعالم الحر بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ودول الستار الحديدي بقيادة الاتحاد السوفياتي. أما الآن وقد تغيرت الظروف، وأصبحنا نرى الأمور أوضح مما كنا نراها في السابق، وأصبحنا أفضل إدراكا لأولوياتنا، فإنني أرى دعم مثل هذا المشروع متى ما توفرت موضوعيا، قناعة باحتمال نجاحه.
• هل انقطع المثقفون الشيعة الذين هجروا تيار الإسلام السياسي الشيعي عن ماضيهم؟
•• يبدو أن كثيرا منهم لا يزال يحتفظ بروابطه السابقة، وهذا موضوع به شيء من التعقيد؛ فأنا شخصيا أعرف بعض من لهم ماضٍ حركي إسلامي انبنى على قناعات معينة في فترة مضت من حياتهم، وأرى أن تلك القناعات قد اهتزت عميقا إثر الانكشاف على المعرفة الحرة، وحلت لديهم قناعات جديدة محل قناعاتهم القديمة، لكنهم لا يمتلكون القدر الكافي من الجرأة ليصدعوا بالمستجد من قناعاتهم. ومما لاحظته أيضا، أن السبب وراء عدم التجرؤ على التصريح، يعود إلى الروابط الاجتماعية التي يخشى المتغيرون فقدها. كما أعرف بعض الحركيين السابقين الذين طرأ عليهم تغير شكلي لم يبلغ الأساس، وهذا النوع من مدّعي التغير يشبهون في سلوكهم سلوك راكبي الأمواج، فراكبو الأمواج يركبون الموجة التي يرونها مواتية، فترى منهم الآن ناشطين حقوقيين ومنظمي مناسبات ثقافية واجتماعية، كما ترى منهم من يهتم بقضايا المرأة أكثر من المرأة نفسها، وهكذا لا يزال مقدار الشك عندي كبيرا في انقطاع مدعي التحول عن ماضيهم؛ على أقل تقدير على المستوى الاجتماعي.
• ما بين الكتابة عن تيارات الإسلام السياسي الشيعي والتيارات القومية العربية وتيارات اليسار القومي العربي، ألا يمكن لهذه الكتابات أن تغتالك معنويا؟
••ربما لم أدرك معنى السؤال بدقة! لكن إذا قصدت بسؤالك: هل يمكن أن أدفع ثمنا باهظا على المستوى الاجتماعي نتيجة مواقفي التي تتضح في ما أكتب بين حين وآخر؟ إذا كان هذا هو السؤال؛ فجوابي هو: التنويري الذي لا يريد دفع ثمن مواقفه التنويرية، ليس تنويريا أصيلا، ومن يتصدى لمعالجة المواضيع الشائكة ثم يشتكي من رد الفعل ويستمرئ لعب دور الضحية لاكتساب التعاطف وتسول الدعم، فالتنوير في غنى عنه.
[ad_2]
Source link