تعتبر المقابلة الإرشادية قلب الإرشاد النفسي حيث أنها تتيح الفرصة للمرشد النفسي للتعرف على طبيعة المشكلة التي حضر من أجلها المسترشد، ومعرفة الخصائص والسمات الشخصية للمسترشد، وكذلك المعلومات الأخرى التي تفيد العملية الإرشادية، وذلك تمهيدا لوضع خطة العلاج المناسبة التي تساعد المسترشد على حل مشكلة.

سوف نتناول موضوع المقابلة الإرشادية من حيث: التعريف، الخصائص،الفنيّات، المهارات،..

أولاً: تعريف المقابلة الإرشادية

تعدّدت التعريفات التي تناولت المقابلة الإرشادية وتنوعت، والمجال هنا لا يتسع لسرد تلك التعريفات، ولكن نكتفي بصياغة تعريف عام للمقابلة الإرشادية كالآتي: المقابلة الإرشادية هي عبارة عن علاقة مهنية بين المرشد والمسترشد تتم في مكان معين، وبموعد محدد، ولمدة زمنية محددة، وذلك من أجل تحقيق أهداف خاصة.

ثانياً: خصائص المقابلة في الإرشاد والعلاج النفسي

تصنف المقابلة في الإرشاد والعلاج النفسي إلى نوعين رئيسين هما المقابلة الابتدائية، والمقابلات التشخيصية والعلاجية نعرض كل منهم كالتالي:

1- المقابلة الابتدائية: هي وسيلة استطلاعية حول المسترشد تبدأ عند استقباله في مركز الإرشاد النفسي الذي اختاره بنفسه أو أحيل إليه من مؤسسة أخرى من أجل مساعدته من أجل مساعدحل مشكلة.

مراحل المقابلة الابتدائية:

أ‌- مرحل الافتتاح: وتتم باستقبال المرشد النفسي للمسترشد في إطار من الود والترحيب، ثم التعرف على المشكلة أو صعوبات التكيف والتوافق التي يعانى منها المسترشد، والاتفاق على سعي كل منهما متعاونين معا لإزالتها من حياة المسترشد، الأمر الذي يحقق تعديل استجاباته بحيث تصبح سليمة وسوية.

ب‌- مرحلة البناء: تخص هذه المرحلة بجمع المعلومات ومناقشة الشكوى العامة للمسترشد وما يصاحبها من أعراض ظاهرة على سلوكه العام، مما يدل على طبيعة الأزمات النفسية الحالية التي يعانى منها.

ج- مرحلة الإقفال: تبدأ مرحلة الإقفال بتخليص وتقوم كلما دار في المقابلة الابتدائية، مما يمكن المسترشد من استكمال الصورة حول العملية الإرشادية، وما يمكن جنية منها، والاطمئنان لها والشخصية المرشد.

2- المقابلات التشخيصية والعلاجية: يمكن القول بأن المقابلات التشخيصية والعلاجية تتفق من حيث المهارات والفنيات التي تسهل الحصول على المعلومات الممكنة حول الفرد من مصادرها المختلفة وبوسائل متباينة فيما يتعلق بجوانب شخصية، ومن ثم يمكن للمرشد أن يدرس سلوكياته في إطار من التفاعل الايجابي المثمر بينهما.

بينما تختلف المقابلات التشخيصية عن العلاجية في الهدف الأساسي لكل منها، فالهدف الأساسي للمقابلة التشخيصية هو التأكد من حالة المسترشد التي تم التعرف عليها بصفة مبدئية في المقابلة الابتدائية حتى يكون التشخيص سليما وصحيحا، بينما يركز الهدف الأساسي للمقابلة العلاجية على تنفيذ الاستراتيجيات الإرشادية المعالجة التي رسمها المرشد النفسي بناء على تشخيصه الحالة المسترشد.

مراحل المقابلات التشخيصية والعلاجية:

أ‌- مرحلة الافتتاح: تتحدد خصائص مرحلة الافتتاح بطريقتين هما طريق بناء الألفة بين المرشد النفس والمسترشد، طريقة الوعي الفكري الذي يمنيه المرشد النفسي عند المسترشد.

ب‌- مرحلة البناء: وتبدأ بمناقشة المسترشد بالتفصيل حتى يمكن تشخيصها وعلاجها على أسس علمية سليمة . ثم يحاول المرشد النفسي أن يساعد المسترشد ويشجعه على نفسه فيعي ويدرك الارتباطات القوية بين مفهومه لذاته وبين الاتجاهات المختلفة المؤثرة عليها، ومما تعكسه من آثار تشكل سلوكه العام.

ويحاول المرشد النفس أن يساعد المسترشد بعد ذلك على أن يتواصل مع نفسه فيتحدث عنها وكأنه وجدها وملكها، وليس على اعتبارا أنها تمثل جزءا منفصلا عن كيانه وذاته، ويحاول المرشد النفس أن يصل بالمسترشد بعد ذلك إلى الفترة النهائية من مرحلة البناء وهى تطابق النفس, ويتميز هذه الفترة بوعي المسترشد وإداركه بمشاعره الداخلية وعالمه الخارجي ومحاولة تطابقها على بعضها ويتضمن تطابق النفس معنى التحدي للنفس، حيث يتقبل المسترشد كل جديد في سلوكه وبمارسه بكل رضا ودون تردد أو خوف.

ج-يسعى المرشد في هذه المرحلة بغرس الأمل في نفس المسترشد ويشعره باستفادته من المقابلة مهما كانت نوعها أو حجمها كما يعمل المشد على مساعدة المسترشد وتشجيع على المساهمة في وضع الخطط المستقبلية للعملية الإرشادية حتى يشعر بمسئولية نحو نفسه، ويشعر بدوره الفعال نحو الامتثال للشفاء ويراعي المرشد النفسي في هذه المرحلة مناقشة أي معلومة لم تستكمل أو طرحت أثناء هذه المرحلة وذلك في سياق من الود والتقدير.

ح- تبدأ مرحلة الإقفال بتخليص وتقوم كل ما دار في المقابلة الابتدائية، مما يمكن المسترشد من استكمال الصورة حول العملية الإرشادية، وما يمكن جنيه منها، والاطمئنان لها ولشخصية المرشد.

ثالثاً: فنيّات المقابلة في الإرشاد والعلاج النفسي

يتوقف نجاح المقابلة الإرشاديةعلى كيفية استخدام المرشد النفسي للفنيّات الخاصة بتلك المقابلة والتي تساعد كثيراًفي تنفيذ الإستراتيجية الإرشادية التي تصل بالمسترشد إلى تعديل سلوكه نحو الأفضل،وهناك أنواع كثيرة من فنيات المقابلة الإرشادية نذكر أهمها فيما يلي:

أولاً: فنيات الفعل:

أ‌- فنية التساؤل: تعتبر فنية التساؤل الوسيلة الأساسية لاكتشاف المجهول فيما يختص بحالة المسترشد من جميع جوانبها، حيث أنها تنفيذ في الحصول على المعلومات اللازمة عنه، وفي تشجيعه على التغيير عن نفس وفي مساعدته على اختبار مشاعره وأفكاره وتنفيد فنية التساؤل المرشد النفسي في تحديد أسس تشخيصه وعلاجه، وفي وضع استراتيجياته وفي تحقيق أهدافه، كما أنها تهتم في تنمية التواصل الجديد بين المرشد والمسترشد وبين المسترشد ونفسه، وبين المسترشد والآخرين.

ب‌- فنية المواجهة: تعتبر فنية المواجهة وسيلة فعالية يستخدمها المرشد النفسي في كشف التناقضات بين ما يقوله المسترشد وما يفعله، مما يجعله أكثر استبصارا لما بداخله فيعكسه على سلوكه الخارجي ويفضل أنتستخدم فنية في نهاية مرحلة البناء في المقابلات الإرشادية، بعد أن يتم بناء الألفة بين المسترشد وتصبح هناك علاقة إنسانية مهنية وثيقة بينهما.

ثانياً: فنيات رد الفعل:

أ‌- فنية الإنصات: وهي الأداة الرئيسة التي يستخدمها المرشد النفسي لفهم المسترشد بعمق أكثر، كما أنها تحقق الشعور بالرضا والسعادة لدى المسترشد للإحساس بمدى تقبله من جانب المرشد وتحقيق فنية الإنصات أهداف هامة وهي: فهم المرشد لرؤية المسترشد حول نفسه والآخرين، فهم المرشد لكيفية، ممارسة المسترشد للحيل الدفاعية في ظل نظام القيم الذي يؤمن به.

ب‌- فنية إعادة العبارات: تتميز فنية إعادة العبارات بتكرار المضمون الأساسي لتواصل المسترشد اللفظي مع المرشد النفسي متضمن المعنى الكلي لعباراته وإن لم يكن متضمنة نفس الكلمات التي احتوتها تلك العبارات، ومن ثم تعتبر بمثابة صدى لكل ما يقوله المسترشد، مما يشجعه على الاستمرار في الكلام والاسترسال فيه.

ت‌- فنية الانعكاس: تعتبر فنية الانعكاس بمثابة مرآة صادقة يعكس بها المرشد أحاسيس المسترشد وتعبيراته وانفعالاته، ما ظهر منها وما بطن، سواء عبر عنها بصراحة أوأخفاها، وذلك جنى يرى المسترشد نفسه وكأنه فيمرآة عاكسة لما يتضمن تواصله اللفظي وغيراللفظي مع المرشد النفسي.

ث‌-فنية الإيضاح: تعتبر فنية الإيضاح بمثابة تغذية رجعية مباشرة من جانب المرشد للمسترشد لتوضيح بعض النقاط التي قد تكون غامضة وغير مفهومة في المناقشة التي تدور بينهما خلال المقابلة الإرشادية وتهدف فنية الإيضاح إلى تدعيم الاستجابة التلقائية من المرشد للمسترشد إذا حدث أي توتر في التواصل بينهما عندما لا يفهم أحدهما ما يقوله الآخر، وعندما يعجز الطرفان عن فهم ما يدور في المناقشة بينهما.

ثالثاً: فنيات التفاعل:

أ‌- فنية التفسير:ي ستخدم المرشد النفسي فنية التقدير في المراحل الأخيرة من العملية الإرشادية بعد أن يثق فيه المسترشد ويطمئن إليه، مما يساعده على فهم وإدراك أي مشاعر قد تكون غائرة في أعماقه، أو أي مفاهيم قد تكون غامضة عليه، وأي أسلوب قد لا يكون له مبرر كما أنها تساعد المسترشد على رؤية الأسلوب الذي يستخدم حيله الدفاعية أو التعرف على الأعراض التي تدل على سلوكه غير السوي. كما أن استخدام هذه الفنية يفيد في بناء المرجع الذاتي للمسترشد مما يؤثر على استجاباته للمرشد وللآخرين، مثلما تستخدم في تحليل التداعي الحر والأحلام، والطبع، حيث أنها تعتبر الدعامة الأساسية في فنيات الاتجاه النفسي التحليلي.

ب‌-فنية الإيحاء: تكمن أهمية فنية الإيحاء في مساعدة المسترشد على الارتقاء بـفكاره وارتياد المجهول في نفسه، مما يوضح رؤيته لها وتنقتيها من شوائبها وازدياد استبصاره الداخلي لأعماقها، فيفكر تبعا لذلك بعقلانية متحررة فيما يتعلق بحالة.

ت‌- فنية التغذية الرجعية: تكمن أهمية هذه الفنية فيكونها استجابة فورية من المرشد للمسترشد، حيث يركز المرشد على كل ما يقوله المسترشد ويدعم ما يصدر عنه من ايجابيات ويطفئ سلوكه غير المرغوب فيه، بالإضافة إلى إشباع رغبة المسترشد في معرفة رد فعل سلوكه على الآخرين

رابعاً: فنيات المسؤولية:

أ‌- فنية الممارسة التدريبية: ويقوم بها المرشدون النفسيون المتدربون تحت إشراف عدد من المشرفين الإرشاديين وفق خطة تدربيية مصممة من قبل أستاذ تربوي من حملة الدكتوراة في الإرشاد والعلاج النفسي بحيث يكون مسئول من تأهيلهم العلمي وإعدادهم المهني وتتضمن هذه الغنية مسئوليات كل من الأستاذ مربي المرشد النفسي ومشرف المرشد النفسي، والمرشد النفسي المتدرب، بالإضافة إلى عدد من التوصيات الهامة لكل منهم مما يدعى مساهمتهم الايجابية فيها.

ب‌- فنية التقويم: وهي تقوم الأنشطة المختلفة التي يقوم بها كل من مربى المرشد النفسي، مشرف المرشد النفسي، المرشد النفسي المتدرب، بما يحقق الأهداف المتعلقة بها للتأكد من مدى الكفاءة في تحقيقها وتتضمن هذه الفنية تقدير مشرف المرشد النفسي، وتقدير المرشد النفسي المتدرب، وتقديرالمقابلة الإرشادية.

رابعاً: المهارات الخاصة بالمقابلة الإرشادية

هناك عدد من المهارات التي يجب أن تتوافر في المقابلة الإرشادية حتى تحقيق الأهداف المرجوة منها مثل مهارات التسجيل، مهارات استخدام المقاييس والاختبارات النفسية، مهارات دراسة الحالة وكتابة التقارير، وسوف نعرض لكل منها بإيجاز كما يلي:

أ‌- مهارات التسجيل: يشمل التسجيل في المقابلات الإرشادية ثلاث مهارات رئيسة تتمثل في مهارة التسجيل الكتابي، مهارة التسجيل السمعي مهارة التسجيل المرئي، وهذا المهارات هي مكونات السجلات التي تعين المرشد النفس في دراسة حالة المسترشد ووضع خطة العلاج المناسبة، ويجب أن يحتفظ المرشد بهذه السجلات في غرفة الإرشاد النفس وتحت رعاية شخصا دون أن يطلع عليها أحد، وذلك انطلاقا من مبدأ السرية وبالرغم من ضرورة استخدام مهارات لتسجيل في المقابلة الإرشادية إلا أن المرشد لا يجب أن يستخدمها إلا بعد موافقة المسترشد على ذلك كتابياً.

ب‌- مهارات استخدام المقاييس والاختبارات النفسية: يمكن تعريف الاختبار النفس على أنه أداة عملية تتكون من مجموعة من مثيرات نفسية معينة وفق معايير متلائمة مع البيئة التي يطبق فيها، وذلك لدراسة ظاهرة سلوكية معينة ولا يخلو عمل أي مرشد نفسيمن تطبيق اختبار أو أكثر في مقابلاته الإرشادية. ويجب أن يكون الاختبار الذي وقع عليه الاختيار للتطبيق ملائما للحالة التي يتعامل معها المرشد النفسي، ومحققاللهدف من تطبيقه، ومدعما للمقابلة الإرشادية من أجل صالح المسترشد، ومن البديهي أن يكون المرشد النفسي على علم تام بخصائص الاختبارات النفسية التي يطبقها على مسترشديه من حيث الأهداف التي تحققها، وطرق استخدامها، المراحل العمرية المناسبةلها والأزمنة المستغرقة في تطبيقها، ومفاتيح تصحيحها، وكيفية تحليل وتفسير نتائجها، وإمكانية التعليق عليها، مع إمكانية تقديم التوصيات المترتبة على نتائجها.

ت‌- مهارات دراسة الحالة وكتابة التقارير: تكمن أهمية دراسة الحالة في كونها تعطي فكرة شاملة، واضحة ومتكاملة حول المسترشد، متناولة شخصيته منجميع أبعادها وسماتها ومدى إنجازاتها في الماضي والحاضر، ومدى ما يمكن أن ينجزه في المستقبل حسب التوقعات المبنية على الدراسات المختلفة التي تمت حوله ومن ثم فإندراسة الحالة تعتبر الوسيلة الأساسية التي يستخدمها المرشد النفسي في تقويم سلوك الفرد عبر الفترات الزمنية المختلفة منذ مولده وحتى انتظامه في المقابلات الإرشاديةوقد تمتد إلى ما بعد الانتهاء منها، وذلك في صورة مكثفة متكاملة ملخصة مما يحدد ملامح الإستراتيجية الإرشادية المتبعة، ومما يسهم في تنمية الكفاءة المهنية للمرشد، في تنمية الجوانب الكلية لشخصية المسترشد على حد سواء. وتعتبر مهارة كتابة التقرير النفسي هامة جدا باعتبار أن التقرير النفسي هو الواجهة العريضة التي تدل على التطورات المختلفة التي طرأت على المسترشد من مختلف جوانبه الإرشادية منذ المقابلة الأولى وحتى المقابلة الختامية وبناء عليه يمكن تقويم فاعلية المقابلات الإرشادية واستراتيجياتها في التعامل مع المسترشد على أسس واقعية ومن ثم يمكن أن يحقق التقرير النفسي الختامي فوائد هامة تتمثل في أنه دليل واضح حول الإنجازات المهنية من مهارات وفنيات قام بها المرشد نحو المسترشد في المقابلات الإرشادية. ويجب أن يحتوى التقرير النفسي على عدة بنود وهي معلومات وصفية للمسترشد معلومات إرشادية، معلومات متعلقة بالشخص معلومات الخلاصة التي تتضمن العناوين الرئيسية في التقرير والتوصيات