المفردة المتمردة في تضاريس الهذيان – أخبار السعودية

المفردة المتمردة في تضاريس الهذيان – أخبار السعودية

[ad_1]

جاسم الصحيح دائماً ما يراهن على المفردة ولذا هو يقول «بمقدار قدرته على تخوين المفردة، بمقدار ما تخون المفردة قاموسها، تكون وفية للشاعر!».

إذا المفردة عند جاسم -وحين نقول جاسم مجرداً من الألقاب فذلك لأنه كيان شعري لا تحكمه الألقاب- ليست مجرد أداة من أدوات بناء النص الشعري لتكوين صور شعرية تحقق وحدة النص وما إلى ذلك، بل إن المفردة عند جاسم هي لاعب رئيسي في الوصول للمتلقي.

دائماً ما كانت تستوقفني مفردات النص الشعري عند جاسم وربما كانت أهم ملامح النصوص الشعرية لديه، ولا عجب أن ينظر إلى تطويع المفردة على أنه عمل (تمردي) للمفردة وخصوصاً حين يأتي (من يعتقد) أن هناك مفردة في القاموس تناسب النص أكثر من تلك التي استخدمها الشاعر أو حين يرى آخر أن المفردة حديثة وهناك في معاجم اللغة ما يغني عنها.

كنت أقرأ في ديوان تضاريس الهذيان ولاحظت أن شاعرنا وضع الكثير من الكلمات بين قوسين وكأنه يدل على اقتباسها أو أي من أسباب استخدام هذه العلامة من علامات الترقيم ووجدت أن بعضها ينطبق عليه أسباب استخدام هذه العلامة المعروفة لدينا وبعضها حرت في فهم سبب الاستخدام! ومن هنا بدأت في محاولة قراءة النصوص من خلال تلك المفردات لا أكثر ووجدت بعض المفارقات العجيبة.

مثلاً في نص حارس مرمى الانتظار نجد أن هذه المفردات وضعت بين قوسين على هذا الترتيب:

(أشتهيك /‏ أحبك /‏ الخمسين /‏ العشرين /‏ الحوت /‏ ذا النون /‏ التسبيح /‏ شط /‏ يقطين /‏ سيجارتي/‏ كاف /‏ نون /‏ دولفينتي /‏ الدولفين/‏ تشرين /‏ مرمى /‏ كرة /‏ شباك /‏ حبيباً أولاً /‏ الصالون /‏ الروتين /‏ الحركات /‏ التنوين /‏ قوسان /‏ التضمين) وعند محاولة كتابتها بحسب ترابط المعنى نجدها هكذا:

(أشتهيك، أحبك /‏ الخمسين، العشرين)

(الحوت، ذا النون /‏ شط، يقطين)

(سيجارتي)

(كاف، نون /‏ دولفينتي، الدولفين)

(تشرين)

(مرمى، كرة /‏ شباك، حبيباً أولاً)

(الصالون، الروتين)

(الحركات، التنوين /‏ الأقواس، التضمين)

وهنا سأحاول أن أقرأ النص من خلال هذه المفردات فقط دون الرجوع للأبيات التي وردت بها تلك المفردات.

يتحدث الشاعر عن حب عميق ورغبة بين رجل في الخمسين وفتاة تعيده إلى مشاعر العشرين من العمر وكأن ذلك الحب يعيد الزمن للوراء!

ثم يتحدث عن الغرق والنجاة وما بعد النجاة وكأنها رحلة ذلك الحب أو رحلة المشاعر التي اجتاحت الشاعر.

تأتي مفردة (سيجارتي) وكأنها لحظة توقف واستراحة وكأن الشاعر يعبر عن حالة قلق يحاول أن يتجاوزها لمعرفة ما سيحدث بعد ذلك الشعور العميق وهل ستحدث معجزة (كن فيكون) وتكون (دولفينة) شاعرها!؟

ثم يأتي (تشرين) وكأنه لحظة توقف زمانية حسية تأخذ إلى النهاية عبر رمزية (في تشرين ينتهي العنب والتين) أو أنها مرحلة الارتواء كما في رمزية (إللي ما ارتوى من حليب أمه يرتوي من مية تشرين).

ثم يأتي بعد ذلك تصوير الانتظار بين المرمى والكرة وهل يتحقق هدف ذلك الحب حتى لو لم يكن هدف الفوز (حبيباً أولاً).

بعد ذلك يأتي تصوير الحالة المكانية (الصالون) مكان الانتظار عبر ذلك الروتين المستمر للانتظار!

إلى أن يصل إلى (الحركات، التنوين /‏ الأقواس، التضمين) لفهم تلك الحكاية ولتصل الرسالة عبر ما ضمنه داخل تلك الأقواس وكل ما فيها من حركات وتنوين.

لم يكن ذلك النص الوحيد في ديوان (تضاريس الهذيان) الذي يمكن قراءته بتلك الطريقة، بل جميع النصوص تقريباً قابلة لأن يكون للمفردة صوت معبر قادر أن يقدم الصورة الشعرية بمفردة وهنا يكمن جنون المفردة و(تمردها) في نصوص جاسم الصحيح، وسأعطي مثالا آخر لنص لم يضع الشاعر فيه الكثير من المفردات في داخل الأقواس ولكنها كانت كافية لقراءة أخرى لذلك النص وهو نص (متوالية النزول) الذي كان ترتيب الكلمات بحسب ما وضعه الشاعر كالتالي:

(النزول /‏ آدم /‏ آدم /‏ حواء /‏ أفعاه /‏ النزول /‏ آدم /‏ يطل على ما يريد /‏ النزول /‏ آدم /‏ الماكنات /‏ تفاح /‏ أفعى /‏ حواء) وهنا سنعيد ترتيبها بطريقة أوضح للقراءة:

(النزول، آدم /‏ آدم، حواء)

(أفعاه، النزول /‏ آدم، يطل على ما يريد)

(النزول، آدم)

(الماكنات)

(تفاح، أفعى، حواء)

وهنا تتضح لنا حكاية النزول ويتضح أيضاً كيف تصبح تلك الحياة متوالية من ذلك النزول الأول لآدم وحواء وحكاية التفاحة والأفعى إلى هذا الزمن الذي تتحول الفتنة من (تفاحة) إلى (ماكنات) ليتغير السبب وتستمر حكاية النزول!

الديوان محفز لقراءته بهذه الطريقة، لكن السؤال يأتي هل نستطيع أن نقوم بلعبة الأقواس في أي نص شعري لشاعر آخر لنحصل على قراءة مختلفة للنص الشعري أم أن ذلك شيء يختص به جاسم الصحيح ولذا آمن بتمرد المفردة حتى أصبح بذلك (شاعر طريقة) يقدم نفسه من خلالها ويمنح الآخرين طريقاً يسيرون عليه في المستقبل.. ربما.



[ad_2]

Source link

Leave a Reply