صدام “هنتنجتون” بين مجموعة “كواد” وشراكة “أوكوس”

صدام “هنتنجتون” بين مجموعة “كواد” وشراكة “أوكوس”

[ad_1]

صدام “هنتنجتون” بين مجموعة “كواد” وشراكة “أوكوس”

سلمان بن حسين الحربيالرياض

في مقالة تَطورت لكتاب، يواجه “صمويل هنتنجتون” تلميذه النجيب “فرانسيس فوكوياما” الذي أصدر كتابًا كان مبدأه مقالة يتحدث فيها هو الآخر عما أسماه (نهاية التاريخ)، وأن النموذج الديموقراطي الليبرالي “منتهى التطور الأيديولوجي للإنسانية”، وسيسود أنظمة الحكم في العالم، ليناقضه هنتنجتون بكتابه (صدام الحضارات) الذي أشار فيه إلى استمرارية الصراع، وأن الصدام القادم لن يكون إلا ثقافيًّا!

تتمحور نظرية (صدام الحضارات) حول اضمحلال تأثير الأيديولوجيات وشعاراتها وضعف العوامل الأخرى، ومن ضمنها العامل الاقتصادي، كمحركات تقليدية للصراعات، وتحول بوصلة الصدام لتشير إلى الثقافات/الحضارات كباعث رئيسٍ لها. وهنا يتبنى هنتنجتون رأي مدرسة التداخل بين الثقافة والحضارة كمفاهيم متشابكة يندرج الدين ضمنها.

لقد جاءت صفقة الغواصات الفرنسية التي تَخَلّت عنها أستراليا لصالح البديل النووي الأمريكي؛ لتعطينا فرصة في وضع نظرية (صدام الحضارات) أمام واقع يختبرها. إن أهمية موضوع الصفقة يرتكز على أهمية موقع أستراليا الجيوبولتيكي، وإطلالتها على المحيطين الهندي والهادئ، ويجعلنا ذلك نستدعي قراءة الجيوسياسي الأمريكي روبرت كابلان الاستشرافية في بداية التسعينيات من القرن الماضي، حينما قال إن المحيط الهندي سيكون منطقة الصراع والنفوذ العالمية، وأن هذا المحيط سيشهد تحركات كبرى للسيطرة عليه.

ولست بصدد بحث مسألة تحقيق هذه القراءة أو تفنيدها؛ وإنما استخدامها كمدخل لفهم صبغة الحوار الأمني الرباعي لمجموعة “كواد” التي تشمل دول: (الولايات المتحدة، وأستراليا، واليابان، وكذلك الهند)، في تعاون لن يتطلب مزيدًا من الذكاء لفهم أهدافه التي تتمثل في تعزيز التحالفات ضد الصين في المقام الأول، ومراقبة للتحركات الروسية عن كثب. هذا التحالف الذي يشرك ثلاث ثقافات/حضارات مختلفة تتطرق لها “صمويل هنتنجتون” في نظريته عن صدام الحضارات، وهي الحضارة الغربية (الولايات المتحدة وأستراليا) والحضارة اليابانية والحضارة الهندية في مواجهة واضحة لحضارة تحدٍّ كما سماها هنتنجتون وهي الحضارة الصينية، وضمنيًّا الحضارة الأرثوذكسية/الروسية.

من ناحية أخرى تعزز شراكة (أوكوس) الأمنية بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا من قراءة كابلان المتعلقة بأهمية المحيط الهندي في اللعبة السياسية المستقبلية، وفي نفس الوقت تضع تحديًا آخر أمام نظرية هنتنجتون التي تؤكد تماسك الحضارة الغربية في مواجهات الحضارات الأخرى. وبالرغم من كون ثلاثي (أوكوس) جزءًا من الحضارة الغربية؛ إلا أن تداعيات هذه الشراكة شرخت العلاقات البينية بين الدول الثلاث والجمهورية الفرنسية التي تَلَقّت “طعنة في الظهر” -على حد تعبير إيف لودريان وزير خارجيتها- حينما ألغت أستراليا عقدًا بقيمة (66) مليار دولار مع فرنسا لبيع (12) غواصة تقليدية نتيجة لتحالف (أوكوس).

ويمكن القول إن الحضارة الغربية الهنتنجتونية تُواجه انقسامًا جسيمًا، يضعها حاليًا في صدام بين الثقافة الأنجلوسكسونية والثقافة الفرانكفونية، والذي سيضع من الأخيرة في منافسة صعبة للظفر بحضور قوي في الساحة العالمية يتطلب منها تنشيطًا لقوتها الاقتصادية، ودفعًا بقوتها الناعمة للنهوض بالثقافة الفرانكفونية أمام التفوق التكنولوجي والناعم للأنجلوسكسونية.

إن تعرض الحضارة الرائدة التي بشّر بها هنتنجتون لانشقاق ولو مؤقت؛ يحتاج بالضرورة إلى مراجعة جديدة من محترفي الأمن الوطني لنظرية صدام الحضارات، وإعادة تقييمها على ضوء صورة النظام العالمي المتشكل، وفهم طبيعة التكتلات الجديدة وفقًا لمفهوم المصالح الوطنية. وهذا الأمر سيكون في غاية الأهمية لمعرفة الخطوط العريضة للسياسة الخارجية الأمريكية والتي بلا شك كان لهنتنجتون ونظريته تأثير على بعض إداراتها.

سئل الروائي البرازيلي الشهير باولو كويلو في مقابلة صحفية معه جرت في القاهرة، عن صدام الحضارات، فأجاب بقوله: “أعتقد أن هذا أمر مضحك للغاية؛ فليس هناك صراع بين الحضارات وهناك من يريد أن يقنع الناس بمسألة صراع الحضارات؛ لكني أعتقد أن هذا غير صحيح وغير موجود”.

هذه الإجابة ليست سوى غيض من فيض انتقادات وصفت النظرية بالبساطة والسطحية؛ فيما كان لها مؤيدون زادهم اقتناعًا ظهور “داعش” وربطها بالثقافة/الحضارة الإسلامية، وهي حضارة التحدي الثانية للحضارة الغربية، ثم أتى اتهام الصين بتصنيع فيروس كورونا! ليروج لصدام الحضارات مرة أخرى.

وفي نقطة الوسط بين مؤيد ومعارض، يبقى على مراكز الفكر والباحثين دور في تحليل هذه النظريات وسبر أغوارها، وبحث كيفية تأثيرها على صناع القرار؛ في محاولة تساهم في إثراء الفكر الاستراتيجي الوطني.



[ad_2]

Source link

Leave a Reply