[ad_1]
الصحفية بيسان زرزر معنا اليوم لا لتتحدث عن وعثاء السفر، بل لتشاركنا تجربتها وقصتها ونصائح لربما تقدمها لمن “يتغرّب” ويعيش في بلاد بعيدة كل البُعد من ناحية الثقافة واللغة وغير ذلك.
أخبار الأمم المتحدة: تعيشين الآن في هولندا. هل أتقنتِ اللغة ولماذا اخترتِ هولندا بالتحديد؟
بيسان زرزر: بداية، بالتأكيد تعلمت اللغة، لأنها جزء أساسي من الاندماج في المجتمع إذا أردت للوصول إلى أي مكان معيّن سواء العمل أو الدراسة أو حتى على مستوى العلاقات الإنسانية والاجتماعية من المهم تعلّم اللغة. لحسن الحظ في هولندا الإنجليزية هي اللغة الثانية، والجميع يتحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة، على الرغم من ذلك، لا تزال توجد دهشة أراها في عيون الهولنديين عندما أتحدث لغتهم. هي تقرّب المسافات ومن شأنها أن تفتح أبوابا كثيرة وفرصا كثيرة.
لماذا اخترتُ هولندا؟ فكرة اللجوء كلها لم تكن اختيارا، هي كانت الخيار الوحيد، ولكن هولندا أنا اخترتها بعد أن أجريت بحثا سريعا كأي لاجئ يحاول أن يبحث عن أفضل مكان يمكنّه من العيش بحرية أولا، وسمعت كثيرا عن الحريّات بهولندا وترويج البلد لحرياتها وطريقة تعاملها، وأن الإنسان يجب أن يكون حرّا وأن تكون كما أنت بدون أي أحكام مسبقة. الحقيقة هذه رسالة جدا وردية وليست دقيقة مائة بالمائة، ولكن هذا على الأقل ما تسعى إليه هولندا بقدر المستطاع، فكرة أن تكون كما أنت بكل حرية وأن تعبّر عن نفسك، وخاصة لشخص مثلي خرج من منطقة نزاع وحرب وفيها اضطهاد وكبح لحريات الرأي، كان من المهم بالنسبة لي أن أذهب إلى مكان أعبّر فيه عن نفسي أكثر.
السبب الأهم هو أنه كوني فلسطينية سورية هذا يعني أنني أنا وأهلي شبه محتجزين داخل سوريا ولا يمكن الخروج بسهولة بسبب عدم استقبال أي بلد عربي من دول الجوار لأي فلسطيني في الأزمة، وهذا ما صعّب كثيرا فكرة خروج أي فلسطيني من هناك.
بالنسبة لي، شعرت أنه على عاتقي إحضار أسرتي أيضا إلى مكان آمن، واعتقدتُ أن هولندا ستوفر لي القدرة على إحضار أهلي إليّ. كان هذا أحد الأسباب الذي دفعني للقدوم إلى هنا، فهذه واحدة من الحاجات الإنسانية الأساسية: أي شخص يحتاج لأن يرى عائلته في مكان آمن متى أراد، وأن يطمئن على أنهم بخير، وهو ما لم يتوفر حتى هذه اللحظة، للأسف القوانين ليست كما تصورت، لم أر أسرتي سوى لمدة ثلاثة أيام فقط في بيروت بعد الكثير من المعاناة والحصول على التصاريح من هنا ومن هناك.
حتى هذه اللحظة، لا يزال التعب النفسي والضغوطات النفسية تلاحقني حتى اليوم، على الرغم من أن بعض الأشخاص يرون أنني حققت إنجازات، لكن لن يكتمل أي إنجاز لأن أسرتي لا تشاركني هذه الفرحة. قرأتُ عن شيء يُسمّى “بعقدة الناجي”، وكأني أنا نجوت من الحرب أو المكان الصعب ولكن أسرتي لا تزال هناك تعاني من الصعوبات حتى هذه اللحظة.
أخبار الأمم المتحدة: كيف يمكن أن يتأقلم المهاجر مع الحياة ببلد غريب وبعيد بهذا الشكل؟
بيسان زرزر: لقد عانيت عندما وصلت إلى هنا، كان عمري 24 عاما تقريبا، وفي تلك الفترة حدثت صدمة ثقافية، ومراحل أيضا لهذا الشعور، حالما يصل المهاجر أو اللاجئ يعيش في فترة تُسمّى بفترة “شهر العسل” يكون كل شيء رائعا وجميلا والإنسانية جميلة، والعمران مبهرا في البداية، بعد ذلك عند التعرّف أكثر على الثقافة والسياسة وكيفية التعامل مع سياسة اللاجئين وأنها جزء من الأجندات السياسية، فهي جزء من السياسة، تختلف النظرة بعض الشيء. في البداية كنت كما أنا ولم أتصنّع ولكن كنت متقبلة لكل الاختلافات، وكما تقبّلوا اختلافاتي كنت أتقبّل اختلافاتهم، وبعدها بدأت أنتقي من هذه الثقافة ما أراه مناسبا بالنسبة لي ويجعلني شخصا أفضل في الحياة وأبتعد عن كل ما لا يريحني ولا يشبه ما تربيت عليه وهي خيارات شخصية. أنا أحاول أن أحقق التوازن ما بين الأشياء الجميلة في ثقافتنا والجميلة في ثقافتهم.
أحيانا عندما تكون في بلد لجوء، تكون الكثير من التوقعات عالية من الحكومة بمعنى أنه يجب علينا أن نندمج بسرعة، يجب أن نجد عملا وأن نتعلم اللغة بسرعة، ويتناسى هؤلاء الأشخاص أن من وصلوا إلى هولندا مرّوا برحلة موت ولها تداعيات نفسية كبيرة جدا، والبعض فقد أحبّته خلال الرحلة أو تركوهم في الخلف، لذلك آمل أن يتم التركيز أكثر على فكرة إعطاء القادم الجديد وقته حتى يستوعب ما يحدث، فلديه مهمّتان أولهما تعلّم اللغة والعادات والتقاليد والثقافة وغيرها والثانية التعامل مع كل المشاعر والأفكار والعواطف، فهو بشر لديه مشاعر ولديه نفسية تلعب دورا كبيرا في تعلّم أي شيء جديد، أرجو أخذ ذلك بعين الاعتبار عند التعامل مع القادمين الجدد لأن البعض وخاصة من الأحزاب اليمينية يتحدثون كثيرا عن فكرة أن ثلاث سنوات كثيرة لتعلّم اللغة، يجب أن تكون أقصر أو يجب أن يتعلم اللاجئ مستويات أعلى من ذلك، مهلا عليهم، فهم أصلا عانوا من الحرب ومن اللجوء، رفقا بهؤلاء في السياسات التي توضع للاندماج.
أخبار الأمم المتحدة: كيف تفاقم أزمة كوفيد-19 من محنة المهاجر؟
بيسان زرزر: هذا سؤال يدخل في الصميم. عندما يأتي المهاجر إلى هنا ينخرط في مجتمع جديد بالكامل، بدون أي علاقات اجتماعية أو وجود أشخاص حوله، فيشعر الشخص بالوحدة حتى وإن كانت لديه معارف. ومع الوقت يتمكن من بناء العلاقات رويدا رويدا، عن طريق الأنشطة الاجتماعية مثل العمل أو الدراسة أو في الحفلات أو المناسبات الثقافية والاجتماعية، تتكون الصداقات والعلاقات التي يمكن أن تخرج هذا القادم الجديد من وحدته وتعرّفه على المجتمع الجديد. ولكن أزمة كـوفيد-19 زادت من وحدة اللاجئ وفاقمت هذا الأمر. هذا الأمر مؤسف جدا، لأنه يزيد من حالة التفكير بالأهل أكثر هناك، وخاصة مثل حالتي، ويجعلك تبدأ بالتفكير أكثر بالشعور بالذنب، على الأقل أنت محجور ولديك الماء والكهرباء والطعام الكافي، أما هم فليس لديهم هذه الأشياء، وغير ذلك من الأفكار السلبية التي تسيطر على أفكار اللاجئ.
وهناك جانب مادي لا يجب أن نغفل عنه، عدد كبير من اللاجئين ممن بدأوا حياتهم المهنية وبدأوا بالحصول على وظائف اضطروا إلى الجلوس في المنزل، وأحيانا تم الاستغناء عنهم. أيضا الأشخاص الذين لم يتوظفوا بعد بات من المستحيل بمكان إيجاد فرص عمل أو باتت فرصهم ضعيفة جدا، وهذا يضاف إلى قائمة طويلة، أنا ذكرت اثنتين من القضايا التي يمكن أن تترتب على هذه الأزمة، ولكن هناك الكثير والكثير من المشاكل الأخرى.
أخبار الأمم المتحدة: تقدمين فقرات على مواقع التواصل الاجتماعي، معظمها نصائح للصحفيين، خبرينا أكثر عن هذه التجربة؟
بيسان زرزر: نعم، مؤخرا بدأت أنتبه لمواقع التواصل الاجتماعي كصحفية أيضا أرى أننا دائما نتحدث عن موضوعية الإعلام وحياديته، وهو شيء غير موجود ونحن نعلم ودرسنا أن دائما هناك سياسة وأجندة معيّنة، وبدأت أرى في وسائل التواصل الاجتماعي مثل منفذ أو منصة لي كصحفية للتعبير عن أفكاري أنا فعلا بدون أي أجندة غير أجندتي أنا الخاصة وأفكاري أنا، وبالنهاية أنا أشارك بأفكار أدبية ومعرفية أكثر وأرى أن فيها فائدة. وبدأ التفاعل خاصة على موقع إنستغرام يزداد كثيرا وهو ما شجعني على المضيّ قدما بهذا النشاط، وهي حتى الآن تجارب بسيطة فأنا لست متخصصة في المونتاج والمكساج، لكنني أتعلم وأحاول أن أزيد من خبرتي في هذا المجال، وهناك تحفيز لتطوير جوانب أخرى من شخصيتي لا أمتلكها فهذه مهارات مهمة وسعيدة بالتفاعل مع الناس واستحسانهم لها.
[ad_2]
Source link