المازمي والسهلاوي بين قطارات الليل وقلب الإنسان المعاصر – أخبار السعودية

المازمي والسهلاوي بين قطارات الليل وقلب الإنسان المعاصر – أخبار السعودية

[ad_1]

لقد أبصرت في الأراضي الأخرى التي يكتب عنها الشاعران الإماراتيان علي المازمي وأمل السهلاوي الكثير من مفاعيل ما يعتمل في الشِعرية الإماراتية الشابة. وهذه الأرض، هذه الإمارات، هذه المساحة المباركة بين ساحل الخليج العربي وجبال الحجر لم تتوقف يوماً عن إيحاء الشعر، وإن ظن البعض بأن تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة قد اتصفت بهدوء زاد عن حده في النتاجات والتجارب، فإننا الآن نقف أمام طائفة من الشعراء والشاعرات، ممن ورثوا التجارب الشعرية الإماراتية والعربية السابقة عليهم، مع بداية بزوغ صوت فريد لكلٍ منهم. ولعل ديواني «قبر الغراب» و«كان عليّ أن أؤجلك» الصادرين عن رواشن للنشر يمثلان التعريف الأكثر توهجاً بالمشهد الشعري الإماراتي الجديد ومدى تمايزه وخصوصيته لغةً ومعجماً وصوراً وطرائق في التناول والأداء.

ففي إطار الحركة الحداثية من الشعر العربي التي ازدهرت في الستينيات والسبعينيات، أو كما سماها الناقد صلاح فضل، «الحداثة العربية الثانية»، يمكننا استعادة جذور شعر المازمي وتأمله وتحليله. عندئذ نكتشف مدى القرب والقرابة بين نسيج ضربته الأولى وتجارب أخرى. سنجد لديهم جميعاً – بدرجة أو أخرى- تلك النزعة العارمة للتحرر والانطلاق من أسر التقاليد التي ارتبطت بها الكلاسيكية العربية، والرغبة في تأكيد الملمح الذاتي والهوية الفردانية لكل منهم، والبحث الدائب عن لغة شعرية جديدة تتسع لهذه الروح ولهذا النفس، وتجسد عالم الصور والرؤى الشعرية التي يجسد بها الشاعر أرجاء عالمه الشعري وأركانه الأساسية. علاوة على توظيف تنويعات الموسيقى والإيقاع وصولاً إلى شكل جديد للقصيدة يوائم هذه الروح المتحررة.

تغريني بعض النصوص في أن ألعب لعبة معينة كقارئ، أنقب: ما هي التأثيرات التي ألاحظها في هذا النص؟ سواء كان رواية أو قصيدة أو كتاب في العلوم الاجتماعية والإنسانيات. هل يعني هذا إلغاء صوت الكاتب وأصالته الخاصة التي فكرت وأنتجت؟ لا، هل يعني هذا بالضرورة وضع هذا التصنيف أو ذاك على نتاجه؟ لا. هي فقط متعة من متع القراءة، ومن الواضح لي أن المازمي تشّربَ مصادر ومرجعيات مختلفة، لكن التأثير الأوضح يعود كما أسلفنا لجهة الشِعرية العربية الحديثة وبالذات الموجة المشرقية منها، ترد في خاطري أسماء مثل: عباس بيضون، بول شاؤول، بسام حجار، سركون بولص وهذه الأسماء وغيرها التي ضخت «الجديد والأجد» بحسب عبدالعزيز المقالح في جسد الحداثة العربية تمايزت عن غيرها حقاً، فهم لم ينسخوا من أتى قبلهم ولم يقطعوا استمرارية تداول الثيمات التي وسمت نتاجات موجات الشعر العربي مثل: تشظي الأفراد والمخيلات والهويات الجماعية والقلق الوجودي، وغيرها من المواضيع المُحتدمة التي تم استعادتها في أشكال لم ترتهن لأنماط الحداثة السائدة.

قصائد ديوان «قبر الغراب» تمثل الخصائص الأساسية لنتاج المازمي، بدءاً بالمعجم الشعري الذي يتحدث عن: قطارات الليل، والاحتضار، المقابر والدفن، الخوف إلخ، ومع أن استخدام هذه الألفاظ ينبع من طبيعة التجربة ووقعها على نفس الشاعر فإن المُلاحظ أن الشاعر لم يقع في فخ الانبهار بمعجمه كما يفعل بعض أقرانه العرب، وهو ما أدى في بعض الأحايين لقصائد هي في الحقيقة مجرد صيغ مكررة ومُعلبة يستطيع من يستقبلها أن يخمن كسل الشاعر واكتفاءه بها دون المخاطرة نحو رسم وبناء صور شعرية مركبة. ومن حسنات المازمي في هذه المرحلة المبكرة من مشواره، مرونته في التجريب اللغوي في بناء الجملة نفسها مع إيراد صور حسية تخدم نصه ولغته بالإضافة لاستخدام انتقائي للرمز أو النثرية المقصودة أو جنح إلى التجريد والغموض أحياناً.

أما أمل السهلاوي في ديوانها الأول «كان عليَّ أن أؤجلك» فتظهر كباحثة متصوفة تريد أن لا يفوتها تسجيل اللحظات الحميمية التي تتخلل حياتنا القصيرة في هذا العالم وهو ما توثقه في مقدمة ديوانها، وليس هذا فحسب فخارطة العالم الفسيحة هي وطن صغير من أوطان السهلاوي التي لا تتردد في إعلان رغبتها بـ«أن أكتب أشياء ذات صلة، يمكنها أن تخز قلب بدوي يجر الجمل في ليوا، كما بإمكانها أن توقظ شعوراً في نيويوركي ينزه كلبه في سنترال بارك أو تجعل يابانية تسقي الأزهار في طوكيو تبتسم».

والشاعرة تركز على قلب الإنسان المعاصر وما يِخزهُ من ضربات وجودية، فالشاعرة السهلاوي تذكرنا بالشاعر الألماني راينر ماريا ريلكه، إذ تمتلئ قصائدها بالفرجة على العالم الكبير وأفعال العيش الصغيرة فيه، وربما كان هذا مُرادها الآن على الأقل. ويبدو أن الشاعرة توافق ريلكه فيما ذهب إليه عندما قال: «أكثر حوادث حياتنا درامية وملحمية لا نشهدها في الفضاء العام، بل في منازلنا والمواقع والأحايين الحميمة في حياتنا. إنها تلك المواقع حيث تنساب كل قوة الوجود البشري…حيث ننشد جميعاً صياغة معنى كما فعل كُتاب النصوص المقدسة العتيقة… إنه فعل حب وحرية، وهو عبء ثقيل أيضاً».

وبناء عليه تتحدد الثيمات في ديوان السهلاوي، فنرى الشاعرة وهي تحدق طويلاً كسيدة برجوازية تتأمل مرور الحياة أمامها وتطارد اللحظات جميعها بلا أمل في القبض عليها وهي تعلن هذا في شِعرية ميلان كولية مُسلمة لما كان وما هو كائن، ومُتأهبة لما قد يكون.

الخلاصة، أنّ الدروب مفتوحة أمام المازمي والسهلاوي، دروب التجريب والتعلم وعيش الشعور بالفضول الذي يؤدي للاكتشاف، والشعور بالنقص الذي يؤدي للمراجعة، والرغبة المحمومة بالدفاع عن الذات الوحيدة الهشة أمام أصابع الجماعة ولكنها أيضاً تعود كما الطريق الدائري إلى الوعي الجماعي العام.



[ad_2]

Source link

Leave a Reply